لقد كان لمحافظة الرقة دوراً ريادياً في صناعة الخزف، الذي انتشر وذاع صيته إبان الدولة العباسية، وتميزه أكثر في زمان الدولة الأيوبية، وتم العثور على أجزاء من بقاياه في مواقع أثرية عديدة في محافظة الرقة، وما تهميش دورها بهذه الريادة إلا نتيجة لفقدان هذه القطع الخزفية، التي تمت سرقتها وبكميات كبيرة من مواقعها الأثرية من قبل تجار الآثار الغربيين في بدايات القرن العشرين، حيث بيعت بأثمان باهظة لمتاحف عالمية شهيرة.
لقد كان لتجار الآثار الغربيين الذين زاروا الرقة في بدايات القرن الماضي علاقات مع سارقي الآثار في المنطقة، وهذا ما يثبته أرشيف متحف اسطنبول في تركيا، إذ تم التأكيد وباعتراف هؤلاء التجار في تلك الفترة أن القطع الخزفية التي باعوها بأثمان باهظة لمتاحف شهيرة، تعود ملكيتها لمواقع في الرقة، وبلغت تلك السرقات الأثرية أوجها بين عامي /1905/م، و/1908/م، وهذه القطع تؤكد بدون أدنى شك أن الرقة كانت مركزاً هاماً لتصنيع الخزف، وليس لاستهلاكه فحسب.
معظم هذه اللقى الخزفية تملكها الآن متاحف عالمية ضخمة، كمتحف قونيا في تركيا، إلا أن أشهر متحف يملكها على الإطلاق هو متحف المتروبوليتان في مدينة نيويورك، الذي حسبما تذكر الباحثة مارلين مادينا حافظة الآثار الإسلامية في المتحف ذاته بعائدية تلك اللقى الخزفية لمواقع في الرقة
أما عن خصائص تلك اللقى الخزفية الرقيَّة،: لتلك القطع الخزفية المتواجدة بأكثر من متحف خصائص مشتركة، إذ إنها حسبما ترى الباحثة مادينا تشترك بأكثر من صفة مشتركة، ككتابة لفظ (العز) على خلفية بعض الأشكال اللولبية الصغيرة، ووجود الصورة الجانبية للقطعة على البعض منها، ومن أبرزها صنف (السلطانيات) المخروطي المزدوج، وصنف الجرار، المعروف باسم الألباريلو والذي يستعمل أحياناً في خزن الأدوية، ومن هذا النوع هناك جرة شهيرة محفوظة في متحف المتروبوليتان كما تذكر ذلك مادينا.
إن الصفات المشتركة بين اللقى الخزفية المعروضة بأكثر من متحف، تتعدى الشكل الخارجي لتصل إلى الصفات الأخرى المتعلقة بطريقة طلاء تلك اللقى، فمنها حسبما تذكر الباحثة مادينا ما هو مطلي باللون الأسود الذي يوجد بأسفله دهان مزجج أزرق فيروزي، وهناك ما هو مزخرف بطلاء أسود تحت دهان مزجج بلا لون، وهناك زخرفة بطلاء البريق المعدني تحت دهان مزجج، وعند قيام الباحثة مادينا بدراسة (بتروغرافية) لتلك اللقى الخزفية المعروضة بتلك المتاحف تبين لها أنها تعود لتربة طينية لها نفس خصائص التربة المأخوذة من مواقع أثرية في الرقة، وتختم مادينا دراستها تلك بتحديد عمر الخزف الرقي، إذ أنها تخالف من سبقها بتحديد عمره، وترى وبشكل دقيق نسبياً أنه يعود إلى النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي