تقع أطلال دورا أوروبوس على الضفة اليمنى من نهر الفرات حوالي 90 كيلو متراً إلى الجنوب الشرقي من دير الزور، و180كيلومترا عن مدينة تدمر إلى الشرق، ويعود تاريخها إلى 300 سنة قبل الميلاد.
تعني لفظة دورا الآشورية القلعة أو الحصن ، وفي العصر المقدوني أضيفت إليها لفظة أوروبوس، وتعني المدينة. وهي المدينة التي ولد فيها سلوقس نيكاتور، وقد سميت قبل العصر اليوناني دورا، ثم دورا نيكانورس، وسماها اليونان دورا أوروبوس، أما في الزمن العربي فأطلق عليها تسمية الصالحية نسبةً إلى الفرات، ويقال إنها سميت صالحية الفرات لوجود قرية في جنوبها تدعى الصالحية، وهي من قرى مدينة البوكمال ، في منتصف الطريق بين البوكمال والميادين.
البداية الدقيقة لـدورا أوروبوس غير معروفة، ويبدو أنها كانت جزءاً من المملكة السلوقية، وإحدى حواضرها ، ومحطة هامة على طريق التجارة بين الخليج العربي وسوريا والبحر المتوسط. ويقال إن نيكاتور هو الذي أحاط المدينة بسور ليحميها من الأخطار التي يمكن أن تتعرض لها. وتعتبر أسوار دورا أوروبوس وأبراجها نموذجاً فريداً للمنشآت العسكرية.
خططت المدينة على شكل رقعة شطرنج تخترقها شوارع منتظمة متقاطعة بزوايا قائمة، فتمر فيها شوارع بشكل طولي مع شارع رئيس في الوسط، وتتقاطع هذه الشوارع مع عدد من الشوارع الممتدة بالعرض، ولها ثلاثة أبواب، الأول في طرفها الغربي المطل على الصحراء، ويسمى بوابة تدمر، والثاني من جهة النهر، والثالث في جنوبها، ويشرف على الوادي الكبير، ولم يبقَ من أبواب المدينة إلا الباب الغربي المشرف على الصحراء، ويحده برجان بارزان في كل منهما بابان متداخلان يعلوهما قوس مدور، وارتفاعهما 11 متراً.
وأحيطت المدينة بأسوار مبنية بأحجار كلسية مقطوعة من مقالع قريبة، عدا الزاوية الشمالية الغربية، وهي ممتدة على شكل مضلع غير منتظم، ومدعمة بأبراج قوية مربعة ومستطيلة الشكل، ويتألف كل برج من طابقين أو أكثر، وأشهرها برج رماة الرماح، وبرج التدمريين، وبرج خماسي الأضلاع في السور الجنوبي يُعد من أجمل وأكثر الآثار الهلنستية نُدرةً في سوريا.
كانت دورا أوروبوس ملتقى الحضارات، جمعت شعوباً وثقافات عدة، من مختلف الأديان، حتى يقال إن خمسة أديان اجتمعت فيها وعاشت معاً في جو من التسامح والعيش المشترك، فقد عُثر فيها على سويات تاريخية من الفترة الآشورية والهلنستية والرومانية والإسلامية، واكتشف فيها معابد، وبيوت أثرية، وكنيسة.
وبلغ عدد سكانها نحو عشرين ألفاً، وكانوا خليطاً من عناصر ديانات شتى. وكثر عدد الساميين فيها، واختلطوا بالمقدونيين والإغريق، وحملت إليها هذه العناصر لغاتها وآدابها وفنونها وآلهتها وعاداتها، فكان سكانها خليطاً من اليونانيين والمقدونيين والتدمريين والرومانيين والفرس والأرمن والآراميين السوريين، ومن عناصر أخرى قليلة كانت تأتيها مع القوافل التجارية التي تمر بها، ونجد فيها تأثيرات يونانية وبارثية ورومانية وتدمرية، وكتابات من هذه اللغات.
اكتشفت المدينة لأول مرة في عام 1920، ودلت الحفريات المتتالية في موقعها على أنها كانت مسكونة من قبل قبائل عربية في الألف الثاني قبل الميلاد. وذُكر في بعض المراجع أن دورا شُيّدت في عهد سلوقس نيكاتور، على اسم المدينة التي وُلد فيها في مقدونيا، ولما ضعفت المملكة السلوقية استولى البارثيون أو الفرثيون (حكام إيران) على المدينة في آخر القرن الثاني قبل الميلاد، وظلت في أيديهم لـ200 سنة.
وعندما احتل الرومان سوريا، لم يمتد نفوذهم إليها، لأنها كانت على الحدود بين سوريا وفارس، وخضعت لتغيرات مختلفة جعلتها غير مستقرة، حتى احتلها جيش تدمر في القرن الثاني بعد الميلاد. ومنذ ذلك العهد ارتبط مصيرها بتدمر التي أخذت تزدهر بفضل التجارة، وأصبحت دورا ميناءً لتدمر على الفرات، وسكنت فيها جالية تدمرية كبيرة. وقد أثرت فيها المدينة التدمرية تأثيراً بالغاً ظهر في معابدها وتصاويرها ودياناتها، وارتبطت بها إلى حين سقوط تدمر بيد الإمبراطور أورليانوس في عام 273م.