العيد بين الماضي والحاضر.. كيف تغيرت العادات والتقاليد في الجزيرة الفراتية؟

 

 

تنوع الأعياد وتعددها في أي مجتمع له دلالة وأهمية تؤكد هوية المجتمع, وتوثق العلاقات بين أفراده, كما أنها تجدد حيويته بمناسبات اجتماعية أخرى، وهذا ما يتجلى في الجزيرة الفراتية ريفاً ومدينة

تحضيرات العيد :

ويأتي الاستعداد ليوم العيد بشكل مسبق حيث ينبغي على رب الأسرة التوجه إلى المدينة للتبضع وشراء حاجيات العيد وتسمى: (حدرة العيد) ومن خلالها يتم شراء ما يمكن شراؤهْ وذلك حسب الوضع المادي ,وفي مقدمتها الملابس التي تسمى (هدوم العيد), أي ملابس العيد.  

وتلك التحضيرات تختلف في الأرياف عما هي عليه في المدن, ففي الأرياف كانت تتسم بالبساطة والسهولة, كأن تغسل المرأة ثياب أسرتها , وتخيط ما تلف منها , وتغسل الستائر التي تسمى (البرادي) وتنظف فناء البيت من الداخل وكنس  (الحوش والدجة ) ضمن محيط البيت من الخارج, وتخيط أغطية “اللحف” التي تسمى (وجوه ) وترتب الوسائد ما أمكن بعد غسلها, وتنظم وتوزع غرفة (الهدوم) المكونة من فرش المنامة التي تسمى (النضيده), وهي مجموعة من اللحف و(دواشك) الصّوف التي تتباهى المرأة الريفية بتنظيمها وكبر حجمها وكثرة عددها وتنسيق ألوانها.

أما في المدن فتكون التحضيرات أكثر تنظيماً ودقة حيث تهتم المرأة بنظافة بيتها بشكل أوسع من حيث ترتيب أثاثه أو تجديد بعضه وتغيير ديكور غرفة الضيوف ودهن المنازل وواجهات البيوت وغسل الملابس وكيها , ومسح السقوف والشبابيك وغسل الستائر والشراشف أو تبديلها بالكامل أو تجديد إنارة البيت .

– لباس العيد….

وقال الباحث بالثراث الحسكاوي عايش حسين الكليب: تنوعت ألبسة العيد بين الماضي والحاضر واختلفت بين الرجال والنساء والأطفال, وشهدت تطوراً واضحاً بفوارق بسيطة بين الريف والمدينة حيث جرت العادة  أن يلبس الرجال لباساً جديداً أن أمكن ذلك في العيد مثل العباءة العربية الرقيقة صيفاً وتسمى (الشالة ) أو(الفروة) في فصل الشتاء, وعلى طول الجسم يلبس الثوب الفضفاض الطويل المعروف “بالجلابية “, بالإضافة إلى الحطة أو الكوفية التي تسمى (المحرمة أو الشماخ) والتي تثبت بعقال فوق الرأس (3).

وهذه الأزياء هي زينة اعتاد عليها أهل الأرياف  كباراً وصغاراً والبعض منها ما يزال يلبسها حتى اليوم , ويعتبر هذا النوع من اللباس الزي التقليدي لأبناء المنطقة الشرقية بالريف وخصوصاً في الأعياد رغم التطور الحاصل , أما في المدن قد يلبس الرجل لباس الريف المعروف بدءاً من (الجلابية) والبعض يميل إلى اللباس الرسمي القميص و البنطال والجاكيت , وبجميع الأحوال كل ما يلبسه الفرد سواء بالمدن أو الأرياف هو متعلق بالوضع الاقتصادي .

وكذلك النساء حيث تتباهى المرأة  بلباس العيد الجديد وأغلب النساء قديماً يفضلن شراء الأقمشة وتفصيلها عند الخياطات حيث ترتدي المرأة  الكاملة والمسنة ثوباً واسعاً وطويلاً فيه الحشمة والوقار يغلب عليه اللون الغامق ويكون هدية من الزوج لزوجه أو من الابن لوالدته أو من البنات المتزوجات لأمهاتهن….الخ.

أما لباس البنات أو الشابات يميل إلى ألوان الطبيعة بألوانها الزاهية بتسمياته المختلفة

ولا غنى عن غطاء الرأس الذي يسمى (الهباري المصنوعة من خيوط الحرير, والملفع المقصب) لشد الرأس ولف عصبة الرأس بطريقة خاصة تسمى (شطفة).

ومن الجدير بالذكر قد طرأ تغير كبير في الآونة الأخيرة  على ملابس النساء أيضاً في الأعياد وغيرها بين الريف والمدينة وبدت هذه العلامات واضحة نتيجة تغير ظروف عمل المرأة ودخولها سوق العمل إلى جانب الرجل خارج البيت وفي المدن وسرعة الاختلاط , غير أن كبيرات السن في الأرياف مازلن متمسكات بعادات الجدات والأمهات .

أما البنات في صباح العيد فزينتهن عدا الملابس الجديدة  بعض الحلي من الذهب والفضة مثل: الحلقات التي تسمى (التراجي ) والأساور التي تسمى (المباريم )  و (الوردينة ) التي توضع بأحد جانبي الأنف و(العران) الذي يعلق وسط الأنف من الداخل متدلياً حتى يغطي منتصف الشفة العليا والسفلى من الفم و(الباص) فوق عصبة الرأس من جهة الجبهة و (النيره) تتدلى من منتصف الجبهة مثبتة بشعر المرأة بخيط مخفي تحت عصابة الرأس , ولا بديل عن الحناء والكحل العربي وهي زينة متوارثة منذ عهد الفراعنة , وبعض العطورات الشائعة قديماً مثل المسك و القرنفل و والمحلب(4) , وهي زينة تتزين بها الفتيات في كل المناسبات , غير أن هذه الأدوات البعض منها اختفى أو قل استعماله نتيجة المستحضرات و المساحيق الحديثة الصناعية والتي اعتادت نساء المدن على التزين بهن كونها اسرع استخداماً واقل تكلفة وخصوصاً الاكسسوارات التقليدية التي تشبه الحلي وأقلام الكحل الصناعي وما شابه ذلك  .

وليمة العيد

وأضاف الباحث عايش حسين الكليب: جرت العادة في الأرياف أن يجتمع الناس ويفدون صباحية العيد إلى بيت مختار القرية ,أو أحد وجهائها لأداء صلاة العيد إن أقيمت حيث كانت الأمية سائدة , وعند انتهاء الخطيب من الخطبة يقبلون عليه مسلمين داعين كما يقبلون على بعضهم مصافحين وهم يرددون:

(يا سميع اغفر للجميع) أو عيدكم مبارك, والرد يكون: (أبرك العياد علينا وعليكم).

 

ضيافات العيد……

ومن الضّيافات  التي انتشرت في وقت لاحق في  الأرياف والمدن ضيافة ( الشاي ) الذي نافس القهوة العربية وأصبح مشروباً اساسياً في كل الأوقات والمناسبات وتكاد تكون أي جلسة أو لقاء لا يعقبها شاي تعتبر الجلسة ناقصة وغير مكتملة. بالإضافة إلى أنواع أخرى من المشروبات

الباردة كالسّوس والتّمر هندي ومنقوع القمردين , والعصائر المعروفة التي تضاف إليها بعض المحسنات والصباغ المختلفة , وأنواع السكاكر.

 

ألعاب العيد  …..

وكان هناك خلال العيد لعبة حاح موت – الدولمة – الفنانة-اشظيظ راح – الطمرة- الغميضة المستراحة – الغمغمية – حبس الخال- ملك حرامي – سبع حجرات – فك اليد- هاو قاص – القُلَل – المباطحة-…الخ)

أمّا الرجال فاشهر تساليهم : نصب النيشان, وهو إبراز المهارة في إصابة هدف برصاص بنادقهم أو يتبارون في ذلك ويتباهون , ومنهم من يحرصون على إقامة مهرجان سباق الخيل وما يعرف “بطراد الخيل”, بعد تزيين الخيول بالأسرجة وأنواع المنسوجات والشراشيب, والأجراس, والخرز, والتسابق وإطلاق الرصاص ابتهاجاً في الهواء .

أمّا في المدن فتختلف مظاهر الأفراح والتسالي, ومن ثم صاروا يذهبون إلى السينما أو يرتادون محلات بيع الأطعمة والحدائق , ويشترون منها حسب طبيعة الوقت والفصل الذي يجيء فيه العيد وبعضهم فيما بعد يذهب إلى حدائق الألعاب ليركبوا المراجيح , ويمتطون صهوة حصان أو يستأجرون  دراجة أو يذهبون برفقة الأهل إلى المسابح والملاعب والمراكز الثقافية لحضور عروض مسرحية مخصصة للأطفال في وقتنا الحاضر…الخ.

أمّا الرجال في المدن فكان معظمهم يذهب إلى المقاهي, أو يلعب النرد أو الزهر أو الورق, وكانت بعض الأسر مساء ترتاد دور السينما أو نزهة قصيرة , ناهيك عن زيارات العيد المتبادلة .

عبر التاريخ وفي كل المجتمعات سواء حالات الصلح وتجاوز الخلافات التي يمكن أن تُحل ضمن اجتماع الأهل في العيد, أو المعايدات المختلفة من كل أفراد المجتمع ومن كل الديانات المعروفة بالمنطقة في وحدة حال مجسدين المعايدات المتبادلة في صور المحبة والألفة

وخلال لقائنا  شيخموس محمد، يروي فيها الفرق بين عيد فطر الأمس واليوم بأسلوب دافئ ومشوق:

“ذكريات شيخموس في العيد”

كان شيخموس محمد جالساً على الشرفة، يحتسي قهوته المرة بنكهتها المعتقة، وعيناه تتأملان الشارع وبلغ الستين هذا العام، ورغم مرور العقود، لا تزال ذاكرته تحتفظ بتفاصيل دقيقة عن أعياد الطفولة والشباب.

“يا سبحان الله…” تمتم بصوت منخفض، وهو يسترجع في ذهنه صباحات العيد في قريته القديمة. كانت البيوت متواضعة، لكن القلوب عامرة بالحب. كانت أمه توقظه قبيل شروق الشمس لتجهزه لصلاة العيد، ويفوح من البيت عبق المعمول والخبز الطازج. يمشي مع والده إلى المصلى، يتبادل التهاني مع الجيران، ويجمع العيديات القليلة التي كانت تسعده أكثر من أي شيء آخر.

“كنا نعيش العيد بروح بسيطة… ضحكة من القلب، ولمة ما تتعوّض”، قالها وهو يبتسم بحنين.

أما اليوم، في عام 2025، فالوضع مختلف، يستقبل التهاني عبر الهاتف، وتأتيه مئات الرسائل والصور من الأقارب المنتشرين في أنحاء العالم، أولاده مشغولون بهواتفهم، يشاركون صورهم على تطبيقات التواصل، ويتحدثون عن عروض العيد في الأسواق والمطاعم، لا رائحة المعمول تملأ البيت، ولا زيارات الجيران فجراً.

ومع ذلك، لا يحمل شيخموس في قلبه مرارة، بل يبتسم، ويقول في نفسه: “لكل زمان عاداته، لكن العيد سيبقى عيد… ما دامت فيه المحبة والذكرى الطيبة.”

نهض من كرسيه، أمسك بهاتفه، وأرسل رسالة صوتية لأحفاده:

“كل عام وأنتم بخير يا حبايب جدكم… لا تنسوا تعطوا العيد نكهته الحقيقية—ببساطة القلب ولمّة العيلة.”

وقالت أم محمود العيد في قريتنا كان غير شكل… كنا نحضّر له قبل بأيام، نخبز الكليجة بالبيت، ونوزعها على الجيران، والناس تجي تزورنا من الصبح وما تخلص الزيارات إلا بالليل. الأطفال يركضون بالحارات، يدخلون كل بيت ويأخذون العيدية، وكان في محبة ولمة ما بتنوصف.

أما بالمدينة، كل شيء صار مستعجل، الناس تزور بعضها بسرعة، وكثير منهم يكتفون برسالة على الموبايل بدل ما يجوا. حتى الأكل، صاروا يشترونه جاهز بدل ما يجتمعوا ويطبخوا سوى. صحيح الأسواق عامرة والحياة مختلفة، بس بصراحة، العيد صار يفقد طعمه الحلو اللي كنا نحسه بزمان.”

تجمع عادات العيد في الحسكة بين عبق الماضي وروح الحاضر، وتُعد فرصة لتعزيز الروابط الأسرية والاجتماعية. فرحة العيد لا تقتصر على مظاهر الزينة واللباس، بل تكمن في تلك اللحظات الدافئة التي تجمع القلوب على مائدة واحدة وذكرى واحدة.

 

وأخيراً نقول…..

 

طرأت تحولات عميقة على طبيعة العيد وتقاليده, سواء في المدن أو في الأرياف بحكم المتغّيرات الاجتماعية والمادية للناس وأهم ذلك : فقدان تلك الروح الجماعية التي كانت تتجلى في العيد من حيث كان الناس يحرصون على نقاء القلوب وتصافيها بهذه المناسبة , ومن ناحية أخرى قلَّ الاهتمام العام بالعيد , وصار الناس أكثر انعزالاً , وصار كل واحد يعيش العيد لنفسه إلى حد كبير.

وهكذا العيد بهجة للكبار والصّغار, تعاد معه لهفة اللقاء واجتماع افراد العائلة ولمة الأقارب والأصحاب مهللين مكبرين بعد شهر عبادة وصيام , أو مستقبلين عيد الأضحى مستذكرين من فقدوا, مستبشرين الخير وشاكرين حامدين الله, فرحين بالجمع , سعداء بحضور من جاء مباركاً. ولدلالات العيد الأثر الطيب

الحسكة ــ حجي المسواط

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار