يقع تل تنينير جنوب شرقي مدينة الحسكة، تغطي بقاياه الأثرية منطقة تُقدر مساحتها بستة وأربعين هكتاراً، تمتد على الضفة الشرقية لنهر الخابور.
دلت أعمال التنقيب التي جرت في الموقع منذ عام 1987، وقامت بها بعثة أمريكية بإدارة م. و ن. فولر في الموقع، على أن مستوطنة تنينير تعود إلى عصر نينوى (نحو 2700ق.م)، وتعاقبت عليها عدة حضارات منها الأكادية والآشورية الوسيطة والفارسية والهلنستية والبارثية والرومانية والبيزنطية، واستمر إعمارها في المرحلة الإسلامية
هُجرت تنينير بالكامل بعد تدميرها، إبان اجتياح تيمور لنك للجزيرة وبلاد الشام، ثم أُعيد إعمارها، على نطاق محدود، في الفترة العثمانية، فكانت مركز تحصيل ضريبي لما يُقارب 100-200 من أنصاف البدو، الذين أقاموا في خيام على امتداد قناة دورين، وفرضت الضرائب على محاصيلهم من القمح والشعير والدُّخن. كما عُثر على مدافن ومنشأة عسكرية عثمانية. وقد زار تنينير الرحالة الغربي ليارد Lyard في منتصف القرن التاسع عشر، ووصف محيطها بأنه مزروع بالقمح، وأشار إلى ينبوعها المقدس (ينبوع نوح).
لم تتغير تقنية صناعة الفخار والإنتاج الغذائي في تنينير منذ العهود البيزنطية حتى الأموية، أما في العصر العباسي، فتمثل التغيير في الزخارف المنفذة بواسطة ضغط الأصابع على الفخار، وفي ظهور الفخار ذي اللون الأخضر الزاهي والزخارف الهندسية المنفذة بالقالب، وفي عدد محدود من الصحاف المزججة، واكتُشفت في تنينير أيضاً عملات معدنية نحاسية وفضية عباسية، ضُربت في دور السكة في الرقة وبغداد.
ومن أهم ما أسفرت عنه أعمال التنقيب اكتشاف ألواح فخارية مكتوبة مع تخمينات ضريبية تعود للعصر العباسي. وبعد وصول الجيش السلجوقي إلى الجزيرة، عمَّ الدمار الأبنية السكنية والدينية في المدينة التي أُعيد بناؤها.
وقد تميزت بداية العهد الأيوبي في تنينير بتغيرات في سك العملة، وصناعة الفخار والعمارة، إذ نمت المدينة حتى وصلت إلى اتساعها الأقصى، فضمت سوقاً وحماماً وخانين ومسجداً صغيراً، إضافة إلى عشرات المباني الضخمة.
كان لتنينير في العهد الأيوبي روابط تجارية متينة مع سنجار وميافارقين والموصل وحران وحلب، وقد سُكت أغلب النقود المتداولة في سنجار وميافارقين، حيث كانت دور السكة للإصدارات النحاسية، إبان حكم قطب الدين محمد (594-616هـ/1197-1219م)، والأشرف موسى (607-617هـ/1210-1220م)، إذ لاتبعد تنينير أكثر من 100كم إلى الغرب من سنجار، ونحو 210كم جنوب ميافارقين.
من الأدوات المنزلية المألوفة في العهد الأيوبي الأباريق غير المزججة والجرار والأواني المزججة الأحادية اللون كالدوارق والصحاف. أما بيوت الأغنياء فاحتوت صحافاً خزفية مزججة، صُنع بعضها في الرقة، كما كان في تنينير أتونان، على الأقل، ينتجان الفخار العادي والمزجج، وتعد جرار الحبوب غير المزججة من أهم الأواني الفخارية المكتشفة، وتتميز بغناها بالزخارف المنفذة بالقالب وباللصق وبالنحت (منها نموذج محفوظ في متحف بغداد)، وقد عُثر على نظائرها في مواقع عدة في سورية والعراق وتركية.
لم يقتصر النشاط الحرفي في تنينير في أثناء الحقبة الأيوبية على حرفة إنتاج الفخار، بل تعداها إلى ممارسة حرف التعدين والصناعات النسيجية، إلى جانب الأعمال التجارية المختلفة.