يقع تل أبو هريرة على الضفة اليمنى لنهر الفرات الضفة الشامية، ويبعد عن مدينة الرقة حوالي 80 كم غرباً، وسُكن الموقع في عصرين مختلفين، زمن العصر الأول هو العصر الحجري الوسيط 11500 ق.م، والثاني العصر الحجري الحديث بعد فترة الجفاف التي اجتاحت العالم في نهاية العصر الحجري الوسيط، والتي انتهت في عام 9500 ق.م..
,ويبعد هذا الموقع الأثري عن الرقة 80 كم على الضفة الغربية لنهر الفرات، ويشغل مساحة 150 ألف متر مربع، سكن الإنسان هذا التل منذ العصر النطوفي، وسكان هذا التل هم أول شعب في التاريخ الحضاري استعمل الأواني الفخارية لطبخ الطعام السائل.
قبل تشكل بحيرة سد الفرات أصدرت حكومة الجمهورية العربية السورية نداءً دولياً لإنقاذ آثار حوض الفرات، وقد استجابت لهذا النداء مجموعة كبيرة من المؤسسات العلمية من جامعات ومعاهد ومنظمات دولية، لذلك نظمت المديرية العامة للآثار والمتاحف برنامجاً دولياً، للقيام بمسح وتنقيب أكبر عدد ممكن من المواقع التي ستغمرها مياه البحيرة، في سبيل الوصول إلى معرفة أوسع وأشمل عن تاريخ وادي الفرات
اسم أبو هريرة، اسم حديث حمله التل الشهير، ويرتبط باسم الصحابي الشهير أبو هريرة راوي الحديث النبوي الشريف، نتيجة وقوع التل في مكان موقعة صفين التي جرت بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ووالي الشام معاوية بن أبي سفيان، وهو من المواقع التي تم مسحها والتنقيب فيها، ويعود تاريخ الاستيطان فيه إلى فترتي العصر الحجري الوسيط، والعصر الحجري الحديث، وهذا التل واسع الأرجاء وسطحه مملوء بالأدوات الصوانية من تلك الفترة الموغلة في القِدم.
سكن موقع أبو هريرة في الفترة الحاسمة التي دجنت فيها الزراعة، وأصبحت نمطاً من أنماط الحياة الاقتصادية ولأول مرة في هذه المنطقة. وبدأ الاستيطان المبكر في أبي هريرة في أواخر العصر الحجري الوسيط نحو العام 11500 ق.م، كقرية لا تتجاوز مساحتها الهكتار الواحد مكونة من مساكن بسيطة حفرت كلها في الأرض، وتم سقفها بالأغصان ونبات البوص والجلود، مدعومة بأعمدة خشبية سيباط، وكانت المنازل متجاورة غير متلاصقة، ترجع إلى منتصف الألف التاسع قبل الميلاد، وكانت المساحة المسكونة في هذا الموقع عام 7000 قبل الميلاد تزيد على ثلاثة هكتارات وكان سكان التل يستعملون الفخار في حياتهم اليومية منذ النصف الثاني من الألف السابع وهم أول شعب في التاريخ الحضاري استعمل الأواني الفخارية لطبخ الطعام
أشارت التنقيبات الأثرية في الموقع، إلى أنَّ أولى المنشآت السكنية من هذه الفترة أقيمت في الجزء الجنوبي من مستوطنة العصر الحجري الوسيط، وخلال المراحل اللاحقة توسع السكن في القرية حتى شمل التل بكامله. كانت أبعاد المستوطنة تمتد بين 400م طولاً و300م عرضاً، أي بواقع 12 هكتاراً، وبذلك تكون قرية أبو هريرة من أكبر القرى في سورية خلال فترة العصر الحجري الوسيط. لقد كانت أبنية هذه الفترة كبيرة الحجم وذات غرف واسعة نسبياً ومستقيمة الأبعاد، جُلها بنيت من الطين المجفف المضغوط، وللمنزل الواحد عدة غرف وذات جدران قليلة السماكة، وهي ذات طابق واحد، ولم يُعْثَرْ على دلائل أثرية تشير إلى عكس ذلك، وكان لبعض البيوت بهو مستطيل يفصل بين غرفتين، وبعضها الآخر له مستودعات أرضية، وفتحات في الجدران كانت تستخدم للتخزين، كما أنَّ الأرضيات والأجزاء السفلية من الجدران كانت مدهونة بطبقة من مادة الجص الأبيض، وأحياناً كانت تدهن باللون الأسود أو الأحمر، وغالباً ما تكون هذه الأصباغ ملمعة، وهذا بالتأكيد مؤشر لوجود اعتقادات دينية بدائية، وكان في بعض الغرف مصطبة متوضعة في أحد الزوايا مطلية بطبقة من مادة الجص، وفي بعض الغرف موقد نار كان يستخدم للتدفئة. وكانت البيوت السكنية مفصولة عن بعضها بواسطة دروب ضيقة مما يؤكد أن القرية كانت مكتظة بالسكان.
كان سكان مستوطنة أبو هريرة مثلهم مثل المستوطنات الأخرى من تلك الفترة يعتمدون على الزراعة في قُوتِهمْ، إذ أنَّهم كانوا يزرعون كافة أنواع الحبوب والبقوليات، مثل الفول والعدس والبازلاء وغيرها، ويجمعون بعض الثمار البرية مثل العنب والكمون، وكان سكان مستوطنة أبو هريرة يربون أنواعاً كثيرة من الحيوانات التي تؤكل، مثل الماعز والأغنام..
وجدت فيها أقدم آثار للقمح المزروع في العالم، ولهذا يعتقد أن استئناس القمح حدث في هذه المنطقة.
الفرات