قبل أن تنزل الفراتيات لميادين العلم والعمل، كانت تحيط بهن أسوار من المخاوف والقلق، لذا وفي مرحلة كان يختلط بها الأسطوري مع اليومي حملت “الديريات” تمائم الخرز بأنواعها الكثيرة لطرد تلك المخاوف بعيداً عن تلك الأسوار.
حاولنا الإلمام بهذه الظاهرة من خلال مجموعة من اللقاءات، إذ التقينا الباحث حميد النجم الذي حدثنا عن الأسباب التي تكمن وراء هذه الظاهرة قائلاً:
لم يعد هناك رغبة لدى الناس باقتناء “الخرز للتبرك به، وذلك بسبب انتشار الوعي الذي لعبت ثورة الاتصالات دوراً كبيراً به، إضافة لانتشار العلم والمدارس حتى في ريفنا البعيد ما خلق حالة استنارة عقلية لدى الناس
الخرز لم يعد له ذاك الرواج الذي تمتع به في العقود الأخيرة من تاريخ منطقة الفرات، إلا أن فتح صندوق إحدى الجدات “الديريات” قد يفاجئك بمجموعة كبيرة منه… إنه “الخرز” بألوانه وأحجامه المختلفة والذي أولعت به نساء الدير لسنوات وسنوات، أما الأسباب العميقة التي تدعوهن إلى اللجوء إليه فهي ليست خاصة بنساء الفرات فقط، بل يرجع إلى معتقدات قديمة دعت الإنسان إلى الإيمان بالكثير من القوى غير المرئية للتغلب على خوفه من جهة والإحساس بالحماية والأمان من جهة أخرى، وبالتالي فإن هذه القوى الخفية هي التي يمكن أن تجد له السعادة وتبعد عنه النحس، وكانت بالتالي على أشكال متعددة فقد تكون من العظام أو الحصى أو الزجاج أو الخرز، والمرأة الديرية ريفاً ومدينة وبادية كانت تؤمن بالخرز وتحرص على اقتنائه وجمعه.
وللتعرف على طريقة الاحتفاظ بالخرز التقينا السيدة “غازية” التي أفادتنا بالقول: كانت المرأة تحمل الخرز فرادا في بعض الأحيان، ولكن في الغالب كانت تعمل على جمعه ونظمه ضمن قلادة تضيف إليها بعض التمائم “من غير الخرز طبعا”، وترتدي هذه القلادة تحت ثيابها وعلى الأغلب تكون غير ظاهرة وتسمي نساء الدير هذه القلادة “جنيدة” أو “جنادة”.
وأنواع الخرز عديدة منها:
الخرزة الزرقاء
ومن الاستخدامات الخاصة لبعض الخرز ما حدثتنا عنه السيدة “زبيدة “: هناك خرزة تسمى “خرزة الحليب”: وسميت بهذا الاسم بسبب لونها الأبيض وحجمها يصبح بحجم خرزة السلوى، تحملها المرأة في رقبتها وتستخدمها النساء أيام الرضاعة لإيمانهن أن ارتداءها يسبب إدرار الحليب، ويمكن أن تجدها عن نساء غير مرضعات بغية إهدائهن إياها إلى نساء مرضعات طمعاً بالثواب من الله.
“خرزة الكيرب”: وهي خرزة مصنوعة من الزجاج البرتقالي، وتستخدم لعلاج اليرقان عند الأولاد، ويعتقدون أنهم إذا علّقوها بعنق الصغير المصاب باليرقان فإنه سيشفى تماماً.
نماذج أخرى من تمائم الخرز
وحول أسعار الخرز الذي يشترى منه في الماضي، والفئات الاجتماعية التي كانت تقبل على شرائه، حدثنا “جاسم ” وهو من أهالي قرية “حوايج “، والذي قال لنا: هناك أسعار متفاوتة للخرز، فكل خرزة لها سعر محدد ومتعارف عليه بين النساء وذلك يرجع إلى ندرتها أو صعوبة الحصول عليها، وهي موجودة عند كل الفئات الاجتماعية تقريباً في الريف والمدينة والبادية والمرأة الثرية بالطبع تكون قادرة على امتلاك الكمية الأكبر من الخرز.
أما تداول الخرز في الوقت الحالي، والإقبال على شرائه فقد تراجع كثيراً عما مضى، فقد التقينا بالسيد “طلعت “، وهو بائع للعطور، وكذلك للمسابح و”الخرز” فاوضح لنا هذه النقطة بقوله: لم يعد هناك رغبة لدى الناس باقتناء “الخرز للتبرك به، وذلك بسبب انتشار الوعي الذي لعبت ثورة الاتصالات دوراً كبيراً به، إضافة لانتشار العلم والمدارس حتى في ريفنا البعيد ما خلق حالة استنارة عقلية لدى الناس.
وحول استخدامات الخرز الأخرى، عند غير النساء التقينا السيد “يوسف “، وهو من قرية “حطلة”، فأفادنا بالقول: لم يكن استخدام الخرز حكراً على النساء فقط، مثل “خرزة “مكبل” أو “مقبل” التي تستخدم للقاء ذوي الشأن ومثل “الخرزة الزرقاء”، “الودعة” و”الخضرمة” التي تعلق على ثياب الأولاد لحمايتهم من العين الحاسدة، كما تعلق على أبواب البيوت والأشياء الثمينة التي يخشى عليها أصحابها من الحسد.