اللوحة الثقافية الشرقية عائدة .. السرعة هي الرهان

عقبة الحسن

استعادة اللوحة الثقافية في المنطقة الشرقية بعد الكسور الكبيرة والقاسية التي تعرضت لها على مدى سنوات الأزمة والحرب الطوال، مهمة ليست بسيطة على الإطلاق، وربما يصل المتشائمون إلى حد توصيفها بأنها (مهمة مستحيلة) حالياً على الأقل، وتحتاج إلى زمن متطاول وليس طويلاً فقط، ويعلل هؤلاء استحالتها بغياب ثلاثة أرباع النخبة الثقافية غياباً داخلياً (بالعزوف عن المشاركة أو قصر النشاط على العاصمة) أو خارجياً (بالسفر والاندماج في مجتمعات أخرى صديقة كانت أم غير صديقة)، ويضيفون أسباباً أخرى لا تقل وجاهة، مثل الفقدان المريع لكل الحوامل الثقافية في المدن الثلاث.. المراكز الثقافية والمنتديات ومحترفات الرسم والنحت والموسيقى والتجمعات الثقافية، عدا عن كون المرحلة القادمة لا تحتمل رفاهية الأدب والفن، إنها مرحلة استعادة البنية التحتية وليس الفوقية، مرحلة التقاط النفس واستعادة التوازن الاقتصادي وليس بيوت الأدب والشعر ومحترفات الرسم !!.

المتفائلون لا ينكرون هذا الواقع، لكنهم يناقشون الإمكانيات وسرعة الإنجاز من زاوية أخرى ضيقة لكنها تشع بالضوء، ولا يكسر أملهم النظر إلى الزاوية الأكبر المنفرجة وشديدة الإعتام والقتامة، ويقدمون على هذا براهين عملية موجودة على الأرض، فمديرية الثقافة في دير الزور على سبيل المثال تمكنت خلال فترة قصيرة من الوقوف على قدميها بجهود ذاتية فقط، فالدعم لها شحيح يشبه قياساً إلى الزمن الذهبي الماضي (سيروم) المريض مقارنة بوجبات طعام متكاملة، مع هذا تمكنت من القيام بعملية ترميم سريعة للوحة الثقافية في المحافظة، ليست كاملة طبعاً لكنها ناجحة وسط الواقع الذي هي فيه.

يراهن المتفائلون أيضاً على مبدأ التحدي والاستجابة، وعلى الكفاءات التي بقيت في المدن الثلاث، الدير والرقة والحسكة، أو التي عادت إلى الدير من مناطق النزوح والهجرة، وفي الحالين فإنها لم تبق كما هي، صارت مصقولة أكثر بكثير، كما يتعرض الذهب للامتحان بالنار، كما يراهنون على البناء السريع، فعودة الصفحات الثقافية المحلية وعلى رأسها صحيفة الفرات (مطبوعة كما كانت) وبقية المجلات ستسهم بشكل كبير في اكتشاف كفاءات ثقافية شابة جديدة موهوبة وقادرة على ملء الفراغ، كذلك عودة التجمعات الثقافية والمنتديات.

في سائر الأحوال يبقى الدعم حكومياً أو خاصاً والاستثمار في الثقافة هما القوتان الأكثر قدرة على فتح زاوية النور الحادة على مصراعيها إن جاز التعبير، وللمثقفين الدور الأهم في إعادة كسب ثقة الطرفين، سواء الداعم الحكومي أو المستثمر في الثقافة.. وتبقى كلمة أخيرة.. الغد بكل تفاصيله ومنها الثقافية أفضل قطعاً، هذا أمر محسوم، فالثقافة عجوز حكيمة لا تلتفت إلى الوراء ولا تتحول لعمود ملح، بصرها الخارق للعادة ممتد دائماً للأمام ويدور مع دوران الكوكب والحياة.

رقم العدد:4377

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار