عندما بدأت أركان السلطنة العثمانية بالتداعي مع نهاية الحرب العالمية الأولى وأصبحت على شفا الانهيار استمات حكامها لإعادة تثبيت دعائم سلطانهم واستعادة أمجادهم بمزيد من البطش وعلى أكوام الجماجم، فأطلقوا العنان لولاتهم في كل أركان السلطنة المترامية والمتهالكة ليبدؤوا حقبة جديدة من البطش والقتل والتنكيل.
ولم يتوان جمال باشا السفاح الذي كان والياً على الشام في إظهار وجهه الحقيقي ووحشيته وبطشه ضد كل من ظن أنه يشكل خطرا على السلطنة، وجمع في السادس من أيار 1916 ثلة من الوطنيين وأعدم 14 منهم في ساحة البرج التي سميت “ساحة الشهداء” في بيروت و7 منهم في ساحة المرجة في دمشق ليكون هذا اليوم نبراساً اهتدى به كل الوطنيين الأحرار وتابعوا مسيرة نضالهم إلى أن تم وضع نهاية لهذه السلطنة البغيضة بعد أربعة قرون من البطش واستعباد الشعوب والتنكيل بها.
انكشفت نوايا جمال باشا السفاح يوم أن عقد ما سمي حينها “الديوان العرفي” وحاكم من خلاله عدداً من القادة العرب وقضى بإعدامهم شنقاً في السادس من أيار لأنهم طالبوا باستقلال بلادهم والتخلص من الحكم العثماني ونفذت أحكام الإعدام شنقاً على دفعتين واحدة يوم السبت الـ 21 من آب 1915 وأخرى يوم السبت الـ 6 من أيار 1916 وشهداء ساحة المرجة في دمشق: عبد الحميد الزهراوي، شفيق العظم، رشدي الشمعة، شكري العسلي، رفيق سلّوم، عمر الجزائري، عبد الوهاب المليحي. وشهداء ساحة البرج في بيروت: جرجي الحداد، سعيد عقل، عمر حمد، عبد الغني العريسي، عارف الشهابي، توفيق البساط، سيف الدين الخطيب، علي النشاشيبي، محمود البخاري، بترو باولي، أحمد طبارة، محمد الشنطي، أمين الحافظ، سليم الجزائري.
بعد قرن وثمانية أعوام يكاد السوريون يملؤون صفحات التاريخ بدروس لا تنسى في التضحية، قدموا وما زالوا مواكب الشهداء فما هانوا ولا نامو على ضيم، لم ينخدعوا بما زينه لهم الاستعمار الغربي ليفرض عليهم استبداد وعبودية بثوب جديد فانتفضوا في وجهه إلى أن نالوا استقلالهم.
قوافل المجد التي ارتقت إلى العلياء من أبناء الوطن دفاعا عن ثراه الغالي استمرت بعد انكسار شوكة العثمانيين وصولاً إلى دحر الاستعمار الفرنسي وتبعتها دماء طاهرة خضبت تراب فلسطين وكوكبة من شهداء الوطن الذين ارتقوا بعد أن سطروا أروع الملاحم في حرب تشرين التحريرية ومعارك الدفاع عن لبنان ضد العدو الصهيوني وصولاً إلى عبق التضحيات في ساحات المعارك ضد إرهاب تكفيري أراد نزع الفرح من حياة السوريين والنيل من مستقبل أبنائهم.
يسير السوريون اليوم وهم في خضم معركة الدفاع عن بلدهم في وجه الحرب الإرهابية والمخططات الاستعمارية في المنطقة، مستنيرين بمشاعل شهداء السادس من أيار الذين أضاؤوا الدرب أمام الأمة التي لطالما قدمت آلاف الشهداء لمقاومة ومواجهة الأعداء والمستعمرين بكل أشكالهم.
ومع أفول الإرهاب من معظم ربوع سورية بفضل تضحيات بواسل الجيش ودماء الشهداء يلتف السوريون حول جيشهم وقائدهم لاستكمال النصر المؤزر ودحر الإرهاب والاحتلال عن أرض سورية والبدء بإعادة الإعمار لتبقى سورية منارة لا يأفل نورها في هذا الشرق.