مواجهة الموت عن سابق إصرار وترصد بالصدور المفتوحة والرؤوس العالية ليس عملاً يقوم به الناس العاديون، والاندماج المطلق بالأرض وسمائها، بالتاريخ ومستقبله، بالوطن ومصيره، والذوبان حباً حتى الموت والانصهار ليس من شأن الناس العاديين أيضاً، كل هذا هو ما يميز القديسين الأبرار الذين وضعهم الله جنباً إلى جنب مع الأنبياء.
شباب بعمر السنديان ورجال بعمر السرو كان تراثهم دمعة من عين أم وأب يعرفون أن أبناءهم ليسوا لهم بل أبناء الحياة فوهبوهم طواعية لها لتبقى وتستمر، وكان تراثهم الحياة كلها حين اندفعت شراذم الشر لمحاولة محوها فذابوا فيها لهباً مقدساً وصانوها وحفظوها لضحكة طفل وطفلة سيكبران ويزهران ربيعاً يملأ العالم.
كم هو شاسع الفارق بين الموت حباً وانتماء كالقديسين والنفوق كرهاً وشهوة كالبهائم؟ وكم هو عظيم الفارق بين رصاصة واثقة أمينة تدافع عن زهور الربيع وأخرى غادرة مأجورة تدافع عن الظلام والجهل؟
قوافل القديسين الذين مسحوا بدمائهم الطاهرة رجس أحفاد جمال السفاح وهولاكو التقت في النقطة صفر مع قوافل الأبرار الذين مسحوا ويمسحون بدمائهم الطاهرة رجس شذاذ الآفاق عن الأرض المحرمة.
إنه لقاء في النقطة صفر لا يتقنه إلا الشهداء، ولا يعرف غايته ومعناه إلا الشهداء، ولا يدرك لذته إلا الشهداء سلام الله على أرواحهم المقدسة حارسة الربيع وحامية الفجر القادم وصائنة الأرض والعرض.
محمدالحيجي