د . نعمة العبادي
منذ قرابة العشرة ايام شهدت البلاد تظاهرات في مناطق مختلفة، صنفت الأهم والاعقد والأخطر من زوايا مختلفة، واود ان اؤشر جملة امور بخصوصها واختم الامر برسالة الى كل العراقيين وخصوصا الاحبة المتظاهرين وهي الآتي:
– إن هذه التظاهرات وإن كانت في سياق نشاط التظاهرات الممتد من سنوات إلا انها مثلت قفزة مختلفة من حيث سرعة ايقاعها وحدة صوتها وطبيعة المشاركين فيها وحجم وسقوف مطالبها والطريقة التي أديرت بها والجدل والاهتمام الذي خلقته حولها ولذلك يمكن عدها بأنها فصل مميز من فصول النضال من اجل الحقوق.
– اختلفت تفسيرات دوافع التظاهر وتباينت بين من وصفها بالمؤامرة والانقلاب وبين من جعلها خليط من تحريك خارجي وتدبير مقصود وحراك شعبي وبين من رآها حراك شعبي تلقائي تسلل من خلالها بعض المندسين وبين صورة تراها نموذج لحراك شعبي وطني نقي يمثل صيحة حقوق مشروعة، وبناء على كل تقييم اختلفت منطلقات جهة النظر.
– من المؤسف جدا ان التظاهرات شهدت عنف غير مسبوق سقط جرائها ضحايا كرام من شهداء وجرحى، وقد كانت بعض الصور محزنة ومفجعة، كم ان هناك تشويش في هوية القاتل ولا تزال هوية من سمي بالقناصين غير واضحة وتشكل احد مغذيات التأزيم.
– من خلال جملة خطابات صدرت من الرئاسات الثلاثة ومع تباين تقييم كل منها، فانها أطلقت جملة وعود وتم اتخاذ حزمة إجراءات كاستجابة للمتظاهرين، وقد رآها الكثير خطوة ايجابية ومفتاح للتهدئة وبين من شكك بصدقها وعدها وعود مخدرة لن تتحقق وستكون كسابقها من الوعود.
– من غير المنطقي ان ننتظر من المتظاهرين خارطة إصلاح حقيقية عميقة ومؤثرة، فمطالبهم تتأرجح بين حد (إسقاط النظام) ومطالبات جزئية مثل التعيينات او ايقاف التجاوزات، لذلك فإن الاستجابة الحقيقية للإصلاح لا يمكن قياسها من خلال حزمة جزئيات وانما ينبغي البحث في امهات المشاكل التي خلقت كل هذه البيئة الرخوة، فالفساد نتيجة وغياب الامن نتيجة والبطالة نتيجة وانفلات السلاح نتيجة والمحسوبية نتيجة، ولذا فإن التغيير لا بد ان يلامس (طرق الوصول الى السلطة، مشروعية الاستفادة من الثروة، آليات الحكم الوطني والمحلي، القرار السيادي، مدخلات الموقف الوطني، النظر الى المكونات، مكانة الهوية في بناء الدولة، ترسيمات الاستحقاقات وخارطة الحقوق، ترسيمة الأصدقاء والأعداء من المنظور الوطني) وهذه الأمور لا تحلها قرارات ارتجالية ولا وصفات خطابية وإنما هي خيارات وطن واستحقاقات بناء دولة تقتضي عملا يوازيها تخطيطا وتنفيذا وقبل ذلك رؤيةً.
– ينبغي ان يلتفت أحبتنا والكرام الذين تظاهروا والذين يودون الالتحاق بهم ان هناك عدداً كبيراً في حلقات مختلفة من الدولة وخصوصاً في قطاع ضبط الأمن قلقون على سلامتهم، ويعز عليهم ويؤلمهم جدا أي أذى يصيب أي فرد منهم، وانهم يتمنون السلامة لكل متظاهر، ويحترمون ويفتخرون بهم لأنهم شجعان يطالبون بحقوقهم، ويتمنون عليهم ألا يتركوا المجال لمن يريد تشويش الصورة وخلط الأوراق مجالا ومنفذا للاستغلال.
– أدرك ان هناك حماسة كبيرة في نفوس الأحبة من المتظاهرين وقد ضاعفتها أحداث العنف المؤسفة وربما رسمت للبعض خيارات جديدة إلا اني التمسهم وارجوهم ان ينظروا للأمور بعمق وروية ويفهموا ان الإنجاز يحتاج مزيداً من التكتيك والعمل المنضبط وأن الصبر على الصعاب أعظم درجات الشجاعة وان الفرص مفتوحة ومتاحة ما زالوا هم موجودون بصحتهم وسلامتهم، وان الفتن اذا نشبت مخالبها فإنها تأكل المحسن والمسيء، لذا نحتاج صوت العقل والحلم والتهدئة المنضبطة الشجاعة التي لا تعني الجبن او الانكسار وانما هي وعي وبصيرة وشعور بالمسؤولية، وعلى الجميع ان يعمل على عدم الاضطرار لخسارتنا قطرة دم واحدة فضلا عن شهيد او شهداء، وليكن الحق منارة الجميع.
– ليدرك الجميع اليوم ان الكلمة أكثر من مسؤولية وأكبر من التزام وعليه يعرف كل صاحب مسؤولية محله في مسؤولية الحديث والتصريح والتعليق وتذكروا ان كلمة أهرقت دما وكلمة حقنت دماء.
رقم العدد:4371