بقلم : د. نعمة العبادي
يشيع استخدام مصطلح التنمر في الأدبيات الأمريكية والغربية، ويتكرر استعماله في الأفلام والأعمال الفنية فضلا عن الاحاديث العامة، وعلى الرغم من المرادف العربي لذاك الاصطلاح هو كلمة التنمر إلا ان منظوماتنا التعبيرية تستعمل مرادفات بالعادة غير كلمة التنمر. والتنمر سلوك فردي او جماعي يستهدف فرد او جماعة ينطلق من نزعة عدوانية تريد إلحاق الاذى بضحيتها سواء عبر الادوات اللفظية او الجسدية او بالايحاء او حتى عبر الادوات الالكترونية، وتختلف الدواعي والدوافع للمتنمرين فمرة تعود لرغبة التسلط وروح القهر ومرة لالحاق الذل والمهانة بالضحية واخرى للانتشاء والشعور بالسعادة، وفي حالات لتحقيق مكاسب عبر الابتزاز والهيمنة، وفي حالة تعبير عن روح سادية مولعة بالايذاء، وفي حالات استجابة لقواعد بيئة غير عادلة ترفع من مكانة القوة والقهر بوصفهما الأداة الأمثل لتحقيق المكاسب، وقد تكون للفت انتباه الآخرين وتشكيل حالة اعجاب لديهم وفي مرات تأتي كرد فعل لممارسة قهر مماثل على المتنمر. وعلى الرغم من ان معظم الدراسات والبيانات تشير الى ان التنمر مساحته الاوسع عند ذكور الشباب والمراهقين إلا ان توسعة معرفية في الدلالة والمضمون تمتد بالتنمر الى طيف كبير من الكبار والنساء والسلطات والدول، حيث يتعدى في تلك الحالات ما تحاول الدراسات النفسية تقنينه في ابحاثها عنه مع الاشارة الى ان هناك اختلاف وخلاف حول صور التنمر ومحدداته ومظاهره من سياسة تجريم الى اخرى. ينصب التنمر على الضعفاء والمهمشين والمعزولين والذين يعانون مشاكل الاندماج او كسب الاعوان او بعض الخجولين الذين يفرطون في سلوك الحياء، لكنه لا يتوقف عند هذه الجردة فهو يتعدى الى الاشخاص الاعتيادين في ظل طغيان الغطرسة ورغبة القهر ويصبح منهج لعمل دولة او دول في ظل انظمة معينة يتم من خلاله اجبار الاخرين كمستهدفين مباشرين او كضحايا رسائل تعبر من خلالهم الى دائرة اوسع من المستهدفين، وتعد العلاقة الاشكالية بين التنمر والارهاب منطقة ملتبسة تحتاج اشتغالا معمقا في اطار تفكيك تحليلي للمقولات والخطاب والسلوك وهو عمل يحتاج الى الكثير ليس هنا محله. ينتشر التنمر في البيت والمدرسة والشارع ومحل العمل واماكن الترفيه بل في دور العبادة والمؤسسات العسكرية والامنية والسياسية، بل في قلب اماكن يفترض ان تكون محلا للانصاف ومساعدة الضعفاء كما يجري من حالات تنمر في الامم المتحدة ومجلس الامن وحتى محكمة العدل. يعيش عالمنا تحت وطئة موجة مجنونة من سلوك التنمر الفئة الاكثر خطورة، فثقافة شرعية القوة اسست لبيئة داعمة ومشجعة لنماذج واشكال مختلفة من التنمر الذي يبدأ من التحرش اللفظي والاساءة القولية مرورا بالاذى الجسدي بكل صوره، فالابتزاز السياسي والالكتروني والحروب والصراعات، وهي ثقافة اسس لها ودعمها وعمقها الذين يسمون انفسهم كبار العالم، وقد صار نموذج المتنمر البطل او الاقوى بين الاقران بمثابة ايقونة جاذبة يتحرك الوعي الجمعي تجاهها سواء في الممارسة او في التعبير بالاعجاب للسلوك التنمري، وهي اوضاع جعلت لعبة مثل البوبجي محل تحدي امني ونفسي واخلاقي في مجتمعات يفترض ان تصدر الامان والسلام. ان التنازل عن العدالة بوصفها الضامن الاكبر المشترك الذي يتجاوز كل الخلافات في الخلفيات الفكرية والثقافية، والرضا بشرعية ثقافة القوة كبديل لادارة العالم، والانسياق في ممارسة تنمر تنازلي تتراتب فيه الطبقات في قهرها للاضعف هي دفع متهور باتجاه شيطنة العالم والحياة والتنازل عن الانسنة لصالح الوحشنة وللعقل والمعرفة لصالح الغرائز والشهوات، و لعل مقولة الإمام علي : ( القوي عندي ضعيف حتى يؤخذ الحق منه، والضعيف عندي قوي حتى يؤخذ الحق له) هي مفتاح الوقوف بوجه هذا التغول المتعاظم من التنمر الذي يعبث بكل شيء يقع تحت يده، وهو استهتار ندفع جميعا ثمنه.
رقم العدد:4307