من المؤكد والمسلم به أن سورية كسبت الرهان العربي لأنها تاريخياً لا تقوم بقراءة الحاضر والمستقبل إلا بناء على الأرضية القومية التي تأتي في رأس سلم الأولويات إلى جانب صيانة حقوق وأمن الشعب السوري والحفاظ على البوصلة السورية ذات الاتجاه المغناطيسي الصلب والثابت المرتكز علة مبادئ وقيم وثوابت تاريخية راسخة ومتجذرة.
كسبت سورية الرهان الرقمي بشكل كدروس منذ البدايات بينما سقط غيرها من غير الخبراء بالمعادلات على أرض الواقع في فخ الصفرية، فبينما كانت سورية تنتصر بشكل مدروس عسكرياً راحت كل دول الخليج تفكر أنها تم سوقها إلى صراعات ذات طبيعة صفرية، لا انتصار حاسم فيها لأحد، عسكرياً في اليمن (هذا من وجهة النظر الخليجية طبعاً) واقتصاديا وسياسياً صراعات بينية خليجية ومن ثم بناء على طريقة التفكير هذه بدأت عملية مراجعة للسياسات الخارجية لهذه الدول.
كما ان مرور أكثر من عقد من الأزمات جعل المنطقة أمام تحديات كبيرة وتطورات مفزعة تحديداً لدول الخليج التي ملت من الضغط الغربي والاستلاب الأمريكي ذي الوجوه المتعددة الخبيثة لها، وباتت القوى الإقليمية تنظر إلى عودة العلاقات العربية مع الجانب السوري المنتصر مع محور المقاومة طوق نجاة لها فكان الاتفاق الدبلوماسي السعودي-الإيراني برعاية الصين، ثمرة التراجع الأمريكي في الشرق الأوسط ولم يكن هذا الاتفاق إلا خطوة من الخليج بحثاً عن إعادة العلاقات مع سورية.
قراءة واقعية سليمة وثابتة للقيادة السورية بمساندة من الحفاء والأصدقاء والأساس صمود أسطوري للشعب السوري أدى لانتصار عسكري يتبع لزوماً انتصار سياسي بدأت ملامحه تتضح على المستوى الإقليمي، صعود روسي صيني عالمياً على حساب تراجع وانحسار أمريكي، وثبات استراتيجي لمحور المقاومة إقليمياً مقابل نزاعات بينية في الطرف الآخر، وانحسار هائل للكيان الصهيوني بلغ ذروته في الحرب على قطاع غزة بعد صفعة عسكرية مدوخة تلقاها الكيان على يد المقاومة الفلسطينية تلتها صفعات مدوخة مستمرة لا تتوقف من اليمن حتى جنوب لبنان.
بالمقابل فإن عصابات أمريكا الإرهابية المسلحة أرهقت الخليج بتجارة المخدرات بالإضافة إلى مزيد من مهددات الأمن، كالتهديد البيئي، والكوارث الطبيعية، وتجارة تهريب الأسلحة، والاستفزاز والتوتر الذي يسببه الكيان الصهيوني الذي بات محرجاً حتى لقادة الدول الغربية فبايدن نفسه لم يعد يستطيع إكمال خطاب في الكابيتول دون أن يتعرض للسخرية والشتم إضافة لفواتير الحروب المكلفة المدفوعة (على الفاضي) لأمريكا والغرب كل هذا دفع دول الخليج إلى النظر نحو الشمال المغناطيسي السوري وأنه هو الكفيل بتطور المنطقة وتنميتها واستقلالها، وأثمر كل هذا عن إعادة علاقات تحت سقف الشروط السورية.
بالخلاصة فإن سورية انتصرت ووضعت الأرقام التي تريد على كامل أطراف المعادلة، والأيام القادمات ستثبت أن سورية ستكون قلب المحور بحث يتجه الجميع إلى شمالها المغناطيسي الراسخ.
الفرات