رأس السنة في الحسكة… سؤال الفرح المؤجل

في كل بقاع الأرض، يأتي رأس السنة محملًا بوعود جديدة، بزينةٍ تلمع، وبساعات تصفِّق للفرح، لكن في محافظة الحسكة لا يطرق رأس السنة الأبواب بالمعنى ذاته، بل يدخل مثقلاً بالأسئلة: لماذا نحتفل؟ وعلى أي شيء نعلّق أضواءنا؟
هل نحتفل لأن المدارس الحكومية فتحت أبوابها أخيراً؟ ربما، لكن أي فرحٍ هذا وطلاب كثر حرموا من مقاعد الدراسة لأكثر من عام، بعضهم افترش الشوارع، وبعضهم انشغل بلقمة العيش بدل الحقيبة والكتاب؟ التعليم ليس خبراً عابراً لنفرح به، بل حق كان يجب ألا يغادِر أصلاً.
وهل نحتفل لأن مياه محطة علوك وصلت إلى تل تمر ومدينة الحسكة؟ الماء نعمة، نعم، لكن الفرح الحقيقي لا يبنى على وصول حق أساسي كان مقطوعاً، كيف نقيم احتفالاً على عودة ما يجب أن يكون دائمًا؟ الماء ليس هدية رأس سنة، بل شريان حياة.
وهل نحتفل لأن الورود تنثر والأغاني تُبث؟ أي ورد هذا الذي يذبل تحت عتمة الكهرباء المقطوعة؟ أي أغنية تسمَع بوضوح في بيوت تعيش على ضوء الشموع؟ الفرح لا يستعار من مكبرات الصوت، ولا يستنسخ من مدن أخرى تعيش ظروفاً مختلفة.
في الحسكة، رأس السنة ليس موعداً للعد التنازلي، بل عد تصاعدي للهموم: كهرباء غائبة، خدمات شحيحة، فرص عمل محدودة، وشعور عام بأن الفرح مؤجل إلى أجل غير مسمى، ومع ذلك لا يعني هذا أن الأمل مات، الأمل هنا عنيد يشبه أهل الحسكة، يبقى واقفاً رغم الرياح.
ربما لا نحتفل لأن كل شيءٍ على ما يرام، بل لأننا نرفض الاستسلام، ربما نشعِل شمعة لا لتضاهي أضواء المدن الأخرى، بل لتقول إننا ما زلنا هنا، رأس السنة في الحسكة ليس مهرجاناً، بل وقفة تأمل: ماذا نريد من العام القادم؟ مدارس حقيقية، مياه مستقرة، كهرباء لا تساوِمنا، وطفولة تعود من الشوارع إلى الصفوف.
نعم، يحق لنا أن نحزن، ويحق لنا أن نسأل، لكن يحق لنا أيضا أن نطالب بعام جديد لا يشبه ما قبله، رأس السنة في الحسكة ليس احتفالا بالواقع، بل مطالبة بتغييره، وهذا بحد ذاته بداية.
حجي المسواط

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار