امرأة خلف مقود التكسي في شوارع دمشق… تحد وإثبات قدرة وحب للمهنة

بلباسها الأنيق وابتسامتها الدائمة تجول الشابة كنانة البني شوارع دمشق يوميا وهي تقود سيارة أجرة تعتمد عليها في نقل الركاب للأماكن التي يريدونها وسط ردود أفعال مختلفة تظهر على وجوههم عندما يرون سائق التكسي (امرأة) تقابلها كنانة دائما بضحكة عفوية حسب تعبيرها.

فبعد تخرجها من المعهد التجاري أدركت كنانة البالغة من العمر 37 عاما أن العمل في الأماكن المغلقة لا يستهويها ولا سيما أنها تحب قيادة السيارات كثيرا فقررت العمل بمهنة السواقة لدى شركة سيارات أجرة في دمشق وهي ليست تجربتها الأولى حيث كانت تقوم على مدى 10 سنوات بنقل الركاب ولا سيما أصدقائها وأقاربها من دمشق إلى بيروت بسيارتها الخاصة ولكنها توقفت عن ذلك مع إغلاق الحدود السورية اللبنانية إثر الإجراءات الاحترازية للتصدي لفيروس كورونا ما دفعها للبحث عن عمل في هذا المجال لدى إحدى الشركات المحلية.

وقالت كنانة خلال حديثها: “ترفض المجتمعات العربية عادة انخراط النساء ببعض الأعمال التي من المتعارف عليها أنها خاصة بالرجال ومنها قيادة سيارات الأجرة لكن في سورية هناك نماذج عديدة خرجت عن المألوف ويوجد عدد من السيدات تحدين الصعاب وعملن خلال السنوات الأخيرة كسائقات للسيارات لمواجهة تقلبات الحياة” مؤكدة أن السواقة مهنة يصعب على المرأة إثبات وجودها فيها بسهولة لذلك تحتاج لشخصية وإرادة قوية.

هدف كنانة من هذا العمل لا يقتصر على توفير الدخل لطفليها كونها المعيل الوحيد لهما ولكن لأنها مصرة على تغيير نظرة المجتمع تجاه عمل السيدات بهذه المهنة والمفاهيم السائدة بأن المرأة غير ماهرة في قيادة المركبات وغير قادرة على العمل فيها لذلك عملت سابقا كمدربة لتعليم السواقة والآن سائقة لسيارة أجرة مؤكدة أنها تمكنت بدعم من أصدقائها ومحيطها من التغلب على الصعوبات والأقاويل التي رافقت بداية عملها وهي تحلم وتسعى ليكون لديها شركة سيارات أجرة خاصة بها.

ردود الفعل المتفاوتة تجاه عمل المرأة كسائق تكسي لم تقلل من عزيمة كنانة حيث قالت: “شهدت ترحيبا من البعض وعدم تقبل من آخرين.. تركب معي بالتكسي سيدة أو شابة فيشجعونني على الاستمرار مع ابتسامة.. أما البعض الآخر فتكون نظراتهم مليئة بالاستغراب والدهشة لكنهم يكونون سعداء ويشجعونني”.

وأضافت “الشباب أيضا يتفاجؤون والبعض يعبر عن اعجابه بالموقف ويكون عنده فضول ليعرف إن كنت أستطيع السواقة جيدا أو لا والبعض يكون عنده استخفاف بالموضوع”.

وتصف كنانة مكان عملها داخل سيارة الأجرة بالعيادة الطبية فهي تتجاوز مهمتها الاساسية بإيصال الزبون إلى المكان الذي يرغب فيه لتتحول إلى ما يشبه الطبيبة النفسية حسب تعبيرها لكونها تجد نفسها مرغمة على الإنصات لحديث الزبون رفيق الرحلة ومواساته وأضافت “سيارة الأجرة هي المكان الذي يبوح فيه الكثير من الناس بمتاعبهم ومشاكلهم خلال رحلة قصيرة دون الخوف من أي تبعات لهذا البوح”.

في البداية قابلت عائلة كنانة موضوع مزاولتها لهذا العمل بالرفض وعدم الرضا خوفا عليها من نظرة الناس ومن المخاطر التي قد تتعرض لها وعن ذلك تتحدث.. “عارضوا أهلي الموضوع بحجة أن الأمر غريب ولا يوجد أحد بعائلتنا قام به من قبل أو لأن المجتمع يرفض احترام ذلك وقد أتعرض لمضايقات واستهزاءات من قبل البعض لكنني أصررت على أن هذا مستقبلي وعمل أحبه وأتطلع لإنجاز شيء أكبر في هذا المجال”.

يوم كنانة يبدأ مبكرا حيث تستيقظ لتجهيز أطفالها للذهاب إلى المدرسة وممارسة الرياضة لبعض الوقت لتنطلق بعدها رحلة عملها على السيارة لمدة ثماني ساعات لتعود لتدريس أطفالها وتمضية بقية اليوم معهم وتقول “عشقي لهذه المهنة وتولعي بقيادة السيارات يجعلني في الكثير من الأحيان أقضي ساعات أطول في شوارع العاصمة لحفظ جميع طرقاتها وأحيائها الشعبية والراقية وهذا العمل يمنحني دخلا ماديا جيدا ولذلك قررت التفرغ للعمل على سيارة التكسي التي باتت بمثابة شريك العمر”.

وتختم كنانة.. “أشعر بالرضا لأنني أجد نفسي وعملي مصدر فخر لأطفالي ولكل من يحبني ومصدر تشجيع لهم واحترام في نظر الكثيرين”.

رقم العدد: 4721

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار