يكبر الأطفال في دير الزور على وقع التهشيش وعلى الهدي، وبعد أن يشبُّوا ويقطعوا بضع سنين من عمرهم ينفردون بأهازيج خاصة يلقونها أثناء ألعابهم.
يمارس أطفال الفرات ألعاباً عديدة عبر قرون هي ألعاب أبناء القبائل العربية والشعوب التي سكنت شطَّ الفرات وواديه، إذ كان لكلِّ لعبة من هذه الألعاب أهزوجة خاصّة بها وهي جزء منها لا ينفصل عنها وكأنّها رقية لها، وهي إما عبارات أو أشطر موزونة.
عبّر أهالي دير الزور عن مختلف ألعابهم بأغانٍ حلوة وبسيطة على الرغم من مرور نصف قرن على سماعها من قبل أطفال الحي، إذ لا يزال أحفادي يرددون تلك الأهازيج في الليالي المقمرة، وعند نزول المطر، وفي قدوم شهر رمضان
السيدة سلوى قالت: عبّر أهالي دير الزور عن مختلف ألعابهم بأغانٍ حلوة وبسيطة على الرغم من مرور نصف قرن على سماعها من قبل أطفال الحي، إذ لا يزال أحفادي يرددون تلك الأهازيج في الليالي المقمرة، وعند نزول المطر، وفي قدوم شهر رمضان.
وذكر الباحث المرحوم عبد القادر عياش في مجلة صوت الفرات: يهزج أطفال الدير أهازيج خاصة في الطريق والبيت، في الصيف والشتاء، في الشمس والظل، وتحت المطر، وفي النهر، وعلى الأسطحة، ومنها ترنيمة القمر حيث ينام أبناء الفرات في الصيف على أسطحة منازلهم في الليل حيث الهواء العليل البارد يمسح عنهم موجة الحرّ؛ ولأن الغرف المنزلية حارّة في الليل، وأيضاً تستأنس الأسر في الليالي المقمرة ذات السحر الخاص في سماء دير الزور يلقن الأهل الطفل مناجاةً يناجي بها القمر المطل، وهم يحدقون فيه يستخبر الطفل عن أبيه الغائب وراء طلب الرزق والمعيشة لأسرته.
وكانت الأهزوجة:
يا قمر الليل / وين بابا وين
راكب جحيشه / يدور المعيشة
يارب تحيشه / على سطوح الدير
ويضيف: هناك أهزوجة الشمس فعندما تشرق الشمس في الشتاء من خلال الغيوم، أو بعد المطر، يبتهج الأطفال في الطرقات بشروقها؛ لأن حرارتها تبعث في أجسامهم الدفء فيحبونها ويهزجون لها أهزوجة خاصة:
طلعت الشميسة / على قرعة عيشة
عيشة بالمدينة / تقرط حبة وتينة
وهناك أهزوجة المطر: عند بدء هطول المطر في الشتاء يفرح الأطفال، ويقف الأطفال في الطريق حاسري الرؤوس ليبللها المطر، ويهزجون بأعلى أصواتهم وبحماس الأهزوجة ليستزيدوا بها المطر:
مطر مطر عاصي / طول شعر راسي
أحمد وحلومة / يلعبون بالجومة
شافتهم حبابه / ضربتهم بالطابة
أمّا أهزوجة البرد فهي عندما يشتد البرد في الشتاء وتكون الشمس مشرقة يخرج الأطفال من بيوتهم إلى الطريق، ويجتمعون ويقفون في مكان مشمسٍ إلى جانب الحائط ويهزجون بصوت عال:
إشح إشح يابردي / قشة حطب ماعندي
عندي بنية غندوفة / تلعب بعذيق الصوفة».
ويشير مدرس اللغة العربية محمد الحمود بالقول: الهزج ضرب من الأغاني فيه ترنم، والهزج كل كلام متدارك متقارب وبحر من بحور الشعر، والأهزوجة ما يهزج به من الأغاني، حيث آثرت تسمية أطفال الفرات وعباراتهم ومصطلحاتهم المنغمة أثناء لعبهم بالأهازيج لانطباق هذه اللفظة على ترانيم الأطفال.
وأضاف الحمود: يردد أطفال الدير أهزوجة عند الطهور الختان حيث جرت العادة في وادي الفرات عند ختان الولد الصغير إقامة فرح يستمر عدة أيام، وكانوا يخاطبون المُطهر الخاتن؛ لكي يحسن العمل:
يامطهر الويلاد ياياسا / طهر طهورن يعجب الناسا
طهر فلان لا توجعوا / نقوطه من بيه ملا الطاسا
وهناك أهزوجة الكتّاب وهو مكان لتعليم الصبيان القراءة والكتابة، وعندما كانت تحين ساعة الانصراف يترنم الأطفال بالأهزوجة التالية:
يامُلا اصرفنا اصرفنا / تَنْعَلِّق مصاحفنا
وشموسنا غابت / وقلوبنا طابت
طالعنا لبرا / لقينا حبيب الله
بيده قلم بحري / يكتب كلام الله
وترحب الأم الديرية بابنها العائد من الكتاب، ويسرها ويبهجها أن ترى ابنها ملطخ الثياب بالحبر وتستقبله بالأهزوجة التالية:
يا مرحبا ويا تابه / هل جاي من كتابه
الدوية بيده / والحبر مالي ثيابه.
ويشير الحمود إلى أهازيج كثيرة ومنها: أهزوجة لتنفيذ الثقلاء في أيام الشتاء، يخرج الأطفال من بيوتهم إلى الطريق بقصد التشمّس والدفء، فيأتي صبي يعاكس الواقفين، لكي يصرفونه بلا شجار؛ ينشدون العبارات التالية منغمةً:
الواقف على شمسي / لا يصبح ولا يمسي
جابت أمه حوته / صبحت منحوته
على جبل العالي العالي / أعلى من 16 ميذنه
عندئذ يخلي الصبي بين الشمس والأولاد، لأن الأهزوجة تتضمن الدعاء عليه وعلى أمه.
ويشير عياش بالقول: هناك ترانيم الترفيه، والتي يحرص فيها الأهالي على تسلية الصغير وإضحاكه وخاصة في المساء، فيأخذ أحد الكبار يد الصغير اليمنى ويبسط أصابعه ويمرر كفه على يد الصغير عدة مرات مردداً في كل مرة:
الكلمات التالية: باح باح، ياروق التفاح، أيدين فلان الحلوين الملاح، أجا العصفور يتوضا، لقى بريق الفضة، هاي لبابا (ويثني خنصر الصغير)، وهاي لماما (ويثني البنصر) ويستمر حتى يثني الأصابع الخمس ويقول: ذبحنا الجدي وسال الدم وقلنا بخ بخ، وهناك أهزوجة رمضان حيث ينشغل أهل البيت بتهيئة طعام الإفطار، حيث يقوم الأهل ببناء مصطبة مستطيلة في الزقاق أو الطريق وتسمى دكة رمضان يجلس عليها نحو عشرة أطفال قبل المغرب والى انتهاء إفطار الأهل ويترنم الأطفال ترنيمة رمضانية يذكرون من خلالها المؤذن وكعك رمضان والأهزوجة هي: ياوذان موذن، ياطبيخ مكذن، ياكعيكة رمضان، قوم استعجل عل وذان، حوقها وطوقها، خذلك بيضة وطقها، طقها بين عيونك، حصوة تسحق سنونك، يافرج العكاشة، جوز مهية التراشة، ترش ترش بامية، وفصوحها حامية من البامية
الفرات