درجت قبل عقودٍ من الزمان في محافظة الرقة عادةٌ تعبِّر بها النساء عن حزنهن الشديد على فقدِ عزيزٍ عليهن، أو مصابٍ جللٍ وقع لهُّن، وتتمثل هذه العادة بقصِّ الشعر مما يـوازي شحمتي الأذنين، وتمزيق الثوب لينكشف ما يغطي نـحرَ المرأة ودون ذلك، واللـطم على الخـديّن وسردهما بالأظافر، والندب، وهي عادات مقيتة عفا عليها الزمان ولم تعد موجودةّ إلا على نطاق ضيق للغاية، في أقاصي الريف البعيد عن المدينة
تشقُّ المـرأة ثوبها، إذ تمسك به من فتـحة (الزيج) حتى نـهايته ويصبح قطعتين، وذلك إذا تزوج عليها زوجها، أو فُجعت بموته، أو مـوت أحد المـقربين كالأخ، الأب، والابن، وتُتـبع شقَّ ثوبـها قـص الشـعر حـتى الأذنين، وهاتان الحالتان تعبران عن بلوغ الحزن أوجه، فتقوم بشق ثوبها وقص شعرها، وإذا تجمَّلت المرأة بالصبر ولم تقم بتنفيذ الحـالتين سالفتي الذكر، تطلق عليها النـسوة الأخريات صـفاتٍ أقلـها السفاهة، إذ لم تكترث بما حدث لها، وهذا البيت من الشعر يتوِّج حالة شقِّ الثوب فيما إذا تزوج الزوج على زوجته لسبب من الأسباب، فيقول الشاعر مجسداً هذه الحالة:
جانا الخبر ومجوَّز لَنْدِبْ واشُق ثيابي ألواني
يا عشب الربيع ألواني السِنْ يضحك والقلب حزناني
وهذا بيت آخر يتضمن شق الثوب ولكنه دلالة على وفاء المحبوبة لمحبوبها، التي لم يجمعها به القدر، أو ربما على زوجها الذي فقدته:
لا تحسبني سـليتك بالكلب جوز حرابي
اجتماع النسوة عند حدوث أمر جلل
ثوب العرس كشَّمتو أدعي وأكول سلابي
جاني الخبر كذبـَّتو ثوبي لـزري شكيتو
يا بنيـَّة كولي لأُمـك والغالي انهدم بيتـو
سكابا دموع العين سكابا عالحلوين شكّينا الثيابا
ويذكر أن أشهر امرأةٍ قامت بقص شعرها حزناً على عزيز في محافظة “الـرقة”، هي “حمـيسة” الـتي سجنت في “السراي الحكومي” إبَّان حكم الفرنسيين، حيث احتجزوها مع عدد من النسوة، حتى يقوم مجموعة من المتمردين بتسليم أنفسهم للقوات الفرنسية، فقام بفك أسرها مع صويحباتها شيخ قبيلة “الولدة” آنذاك الشيخ “محـمد الـفرج السلامة”، الذي اقتحم “السراي الحكومي” وخلَّصهُن، فنذرت “حميـسة” بأن لن تقصَّ شعرها إلاَّ حزناً عليه، وعندما كان الشيـخ فـي النزع الأخير، استدعى “حميسة” وطلب منها أن لا تقـصَّ شَعرها، لأن الدين ينـهى عن ذلك، وإن كان لا بد من إيفاء النذر، فلتـهذِّب شـعرها تهذيباً، ولتقل فيه شِعراً، وقد كانت من النساء القوالات، فقالت فيه شعراً، وذكرت أفعاله وعددت خصاله، فأبكت الحاضرين.