قراءة تحليلية لزيارة الرئيس أحمد الشرع إلى البيت الأبيض

 

 

تتجه الأنظار خلال الأيام المقبلة إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث يترقّب العالم الزيارة التاريخية التي سيجريها السيد الرئيس أحمد الشرع إلى البيت الأبيض، كأول زيارة من نوعها لرئيس سوري إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في حدثٍ يُنتظر أن يشكّل محطة مفصلية في مسار العلاقات السورية – الأمريكية، وانعكاساً لتحولاتٍ عميقة تشهدها السياسة السورية على المستويين الداخلي والخارجي.

زيارة تاريخية تتوّج نجاحات الدبلوماسية السورية

تُعد هذه الزيارة تتويجاً لمسارٍ متواصل من النجاحات التي حققتها الدبلوماسية السورية خلال السنوات الأخيرة، والتي أعادت رسم ملامح السياسة الخارجية لدمشق على أسس المصلحة الوطنية، والنهج المتوازن، والتنمية، والوحدة الوطنية.

ويصف مراقبون الحدث بأنه أبعد من كونه لقاءً بروتوكولياً، إذ يحمل دلالاتٍ استراتيجية تؤكد أن سوريا انتقلت من مرحلة التعامل معها كـ”ملف أمني” إلى مرحلة التعامل معها كـ”دولة فاعلة” قادرة على بناء شراكاتٍ دولية تحفظ سيادتها ومصالحها، وتفتح آفاق التعاون الإقليمي والدولي من موقع الندية والاحترام المتبادل.

إعادة تأسيس العلاقة مع واشنطن وموسكو على أسس المصلحة الوطنية

تأتي الزيارة في ظل مؤشرات انفتاح أمريكي متزايد تجاه دمشق، عبّرت عنه مواقف متعددة صدرت في الأشهر الماضية.

ويرى محللون أن اللقاء المرتقب بين الرئيسين الشرع وترامب سيضع أسس مرحلة جديدة من الحوار القائم على الشراكة لا المواجهة، خصوصاً بعد التحولات الميدانية والسياسية التي رسّخت استقرار الدولة السورية وموقعها الإقليمي.

وتأتي هذه التطورات مترافقة مع مقاربة سورية متوازنة في العلاقة بين واشنطن وموسكو، قائمة على قاعدة عدم الارتهان لأي محور، بل على الموازنة بين المصالح الوطنية والتحولات الدولية، في وقتٍ تشهد فيه المنطقة تحولات كبرى بعد الحرب الأوكرانية وتبدّل موازين القوى في الشرق الأوسط.

دمشق من جانبها تؤكد أنها ليست ساحة صراعٍ بين الأقطاب، بل طرفٌ يسعى لتكامل المصالح بما يخدم أمن المنطقة، ويضمن الاستقرار في ملفات الطاقة، ومكافحة الإرهاب، وأمن المتوسط، ومنع الهجرة غير الشرعية.

انضمام محتمل للتحالف الدولي ضد “داعش”

من أبرز الملفات المتوقع بحثها خلال الزيارة، إمكانية انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، وهو تطور قد يحمل أبعاداً سياسية وأمنية كبيرة، أبرزها فتح آفاق تعاونٍ ميداني منظم، وتأسيس أرضية لانسحابٍ أمريكي تدريجي من الأراضي السورية، وإنهاء الذرائع التي استخدمت لتبرير الوجود العسكري الأجنبي.

ويُنظر إلى هذه الخطوة بوصفها مدخلاً لترسيخ الشرعية الدولية للدولة السورية من بوابة مكافحة الإرهاب، عبر دعم مؤسسات الجيش والأمن الوطنيين كشركاء أساسيين في الميدان، بما يضع حداً للاعتماد على فاعلين غير شرعيين أو قوى ما دون الدولة.

وفي هذا السياق، رحّبت تركيا على لسان نائب وزير خارجيتها وسفيرها لدى دمشق، نوح يلماز، بالجهود السورية لإعادة بناء الدولة، مؤكداً استعداد بلاده لدعم الجيش السوري في مجالات التدريب وإعادة الهيكلة، إلى جانب تعاونٍ إقليمي متصاعد من دولٍ عربية عدة بينها السعودية وقطر، في إطار مساندة الدولة السورية في جهودها لمكافحة الإرهاب وإعادة الاستقرار.

خاتمة: زيارة مفصلية في تاريخ العلاقات السورية – الأمريكية

تفتح زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن الباب أمام مرحلة جديدة في العلاقات الدولية لسوريا، وتؤشر إلى انتقال البلاد من موقع التلقي إلى موقع الفاعلية الإقليمية، مستندة إلى شرعية التحرير، ورصيدٍ متنامٍ من الإنجازات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.

ويجمع المراقبون على أن الزيارة – بما تحمله من رمزية وتوقيت ودلالات – تشكل حدثاً تاريخياً يؤسس لواقعٍ سياسي جديد، تتكرّس فيه سوريا دولةً مستقلة القرار، منفتحة على العالم، ومتمسكة بثوابتها الوطنية.

الفرات

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار