سلطت وكالة الأنباء القطرية “قنا” في تقرير لها اليوم، الضوء على دعم دولة قطر للشعب السوري منذ اللحظات الأولى لاندلاع ثورته عام 2011، مشيرةً إلى استمرار هذا الموقف الثابت حتى ما بعد انتصار الثورة، من خلال دعمها المتواصل للدولة السورية لتحقيق التعافي السياسي والاقتصادي.
وذكرت الوكالة أن زيارة أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى دمشق في الثلاثين من كانون الثاني الماضي، شكلت محطة مفصلية في مسار التحول السوري الجديد، فقد كانت الزيارة الأولى لرئيس عربي ودولي إلى سوريا عقب إعلان الانتصار، حملت رسالة قطرية واضحة على دعم هذا التحول التاريخي ووضعه على مسار الشرعية الإقليمية والدولية.
وأشارت في تقريرها إلى أنه من بين أولى خطوات الدعم الاقتصادي القطري لسوريا، إعلان دولة قطر والمملكة العربية السعودية سداد الالتزامات المالية المتأخرة على سوريا لدى مجموعة البنك الدولي، والتي تبلغ نحو 15 مليون دولار، وهو ما أتاح استئناف برامج البنك الدولي الهادفة إلى إعادة بناء المؤسسات، وتعزيز القدرات في ظل الدمار الواسع والبنية التحتية المتدهورة.
دعم تطلعات السوريين
ونقلت عن رئيس تحرير صحيفة “الشرق” القطرية جابر الحرمي قوله: إن الموقف القطري الداعم للشعب السوري ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد طبيعي لوقوف الدوحة مع تطلعات السوريين منذ اندلاع ثورتهم، وقد ظلت ثابتة على هذا المبدأ حتى تحقيق الشعب السوري لطموحاته.
ولفت الحرمى إلى زيارات المسؤولين القطريين إلى دمشق عقب إعلان الانتصار، لتقديم ما يلزم من دعم للدولة السورية الجديدة، حيث قدمت المساندة الإغاثية المباشرة اللازمة لتعافي الاقتصاد السوري، ودعم الخطوط الجوية القطرية لإعادة تشغيل مطار دمشق الدولي.
ورأى الحرمى أن مشاركة الرئيس أحمد الشرع في منتدى الدوحة أمس، تمثل دليلاً جديداً على عمق العلاقة بين البلدين، ومؤشراً على مرحلة مقبلة من التماسك والازدهار في مجالات التعاون.
جسر جوي ومساعدات عاجلة
بدوره، أكد رئيس تحرير جريدة “العرب” القطرية فالح الهاجري، أن قطر تحركت سريعاً بعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024 وانتصار الثورة السورية، لدعم مرحلة الانتقال والتعافي، فبادرت إلى إطلاق جسر جوي وتقديم مساعدات عاجلة، وأعلنت خلال مؤتمر بروكسل 2025 عن مساهمة بقيمة 50 مليون دولار لدعم الشعب السوري، إضافة إلى قوافل إغاثية مشتركة مع الأردن ضمت 24 شاحنة محملة بالغذاء والدواء عبر قطر الخيرية وصندوق قطر للتنمية.
وأشار الهاجري إلى أن قطر تعهدت بتزويد سوريا يومياً بنحو مليوني متر مكعب من الغاز لتشغيل محطة “دير علي”، بما يضيف نحو 400 ميغاواط إلى الشبكة الكهربائية، وهو ما يسهم بمضاعفة ساعات التغذية الكهربائية، كما مولت مشاريع واسعة في مجالات السكن والمياه والطاقة الشمسية في شمال سوريا عبر الهلال الأحمر القطري، الذي نفذ برامج إغاثية وصحية وغذائية ومائية بقيمة تقارب 160 مليون دولار، إلى جانب تقديم حزمة طبية بقيمة 45 مليون ريال بالتعاون مع مؤسسة سدرة للطب.
وأوضح الهاجري أن دولة قطر تعاونت، عبر مؤسسة “التعليم فوق الجميع”، مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، في برامج هدفت إلى تأمين التعليم لعشرات الآلاف وربما لمئات الآلاف من الأطفال السوريين الذين انقطعوا عن الدراسة، إلى جانب مشاريع حماية الطفولة ورعاية الأيتام التي نفذتها قطر الخيرية داخل سوريا.
المساهمة بجهود إعادة الأعمار
وأشارت الوكالة القطرية في سياق تقريرها، إلى زيارة رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن إلى دمشق، حيث أعلن عن تقديم الدعم الفني اللازم لإعادة تشغيل البنى التحتية في سوريا، مؤكداً استعداد قطر لتزويد سوريا بـ 200 ميغاواط من الكهرباء مع رفع الإنتاج تدريجياً.
وأوضحت الوكالة في تقريرها أن الزيارات القطرية إلى سوريا كان لها دور كبير في المساهمة بجهود إعادة الإعمار، وإرسال تجهيزات فنية للمساهمة في تشغيل مطار دمشق الدولي، بينما كانت الخطوط الجوية القطرية أول شركة طيران مدنية تستأنف رحلاتها إليه بعد سقوط النظام.
بناء دولة العدالة والمؤسسات
دولياً، شاركت دولة قطر في المؤتمر الوزاري المعني بسوريا الذي انعقد في باريس خلال شهر شباط الماضي، كما عبرت أمام مجلس الأمن الدولي عن ترحيبها بالخطوات التي اتخذتها الإدارة السورية الجديدة لحماية المدنيين واستقرار مؤسسات الدولة وضمان استمرار الخدمات العامة، إلى جانب جهود إعادة هيكلة الدولة وتعزيز التوافق بين مختلف الأطراف بما يمهد لبناء دولة القانون والاستقرار والتنمية.
سياسياً، نوهت دولة قطر بالإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية، معتبرةً أن ما ورد فيه من مبادئ أساسية، مثل الفصل بين السلطات وتشكيل لجنة لصياغة دستور دائم وتحقيق العدالة الانتقالية وضمان الحريات والحقوق ووحدة الأرض والشعب، تشكل أساساً مهماً لبناء
دولة جديدة قائمة على العدالة والمؤسسات.
وقالت الوكالة في تقريرها: إنه في السابع عشر من آذار الماضي، شاركت دولة قطر في المؤتمر التاسع للمانحين حول سوريا في بروكسل، تحت عنوان “الوقوف إلى جانب سوريا: تلبية الاحتياجات من أجل عملية انتقالية ناجحة”، الذي نظمه الاتحاد الأوروبي، في خطوة جديدة تؤكد استمرار الدوحة في دعم مسار الانتقال السوري على الصعيد الدولي.
وأكدت أن دولة قطر استأنفت عمل سفارتها في دمشق بعد نحو ثلاثة عشر عاماً على قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري عام 2011، لتكون ثاني دولة بعد تركيا تعيد فتح سفارتها، استناداً إلى موقفها المبدئي الداعم لتطلعات الشعب السوري.
وختمت الوكالة تقريرها بأن دولة قطر عملت كرافعة دبلوماسية وشجعت الدول الأخرى على اتخاذ خطوات بناءة لدعم الإدارة السورية الجديدة، ورحبت الدوحة بالخطوات التي اتخذتها سوريا نحو تعزيز التوافق الوطني وترسيخ دولة القانون والمؤسسات، في إطار الانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدولية.