في الحسكة.. أجراء ومحتلون بوجه شعب وحكومة

لاتزال الأخبار المتواترة والضبابية التي ترد من محيط سجن الصناعة بمدينة الحسكة، والتي تظهر هشاشة وعجز ميليشيا “قسد” المدعومة أمريكا، في استعادة السيطرة على الوضع، رغم التدخل المباشر من قواتها المحتلة المتمركزه في قواعدها غير الشرعية والقريبة من موقع السجن.

الأخبار شحيحة ومغرضة، وثمة شكوك كبيرة من أهالي الحسكة المنكوبين بافتعال المحتل الأمريكي للمشهد برمته، والسعي لاستثمار هذه الأحداث للفت النظر إلى أهمية وجودها العسكري في كل من سورية والعراق، والذي من شأنه أن يمنع التنظيم من إعادة بناء نفسه مجددا.

تردد “قسد” العاجزة حالياً عن احتواء الأزمة ما يقوله المحتل الأمريكي دون أن يكون لها أي دور فعال لا أمنياً ولا إنسانياً في مساعدة الأهالي الفارين من الأحياء المتاخمة للسجن وقد زاد عدد الأسر الهاربة على الألف، قنوط يقابله قنوط عن المساعدة من قبل المنظمات الدولية.

ليس من باب المصادفة أن تترافق أحداث السجن مع الهجوم الإرهابي في العراق، والذي استهدف فيه التنظيم الإرهابي مقر سرية للجيش العراقي في ناحية العظيم بمحافظة ديالي وقتل كل من كان فيه من قوات عراقية.

الحادثان يطرحان تساؤلات حول دور واشنطن في وقوعهما ويعزز ذلك صدور بيان للخارجية الأمريكية اعتبر أن (الهجوم يسلط الضوء على أهمية تمويل مبادرات التحالف لتحسين الاحتجاز الآمن والإنساني لمقاتلي داعش بما في ذلك من خلال تعزيز أمن السجون).

كل ما حدث ويحدث في الحسكة مريب تفوح منه الروائح المعتادة للخبث الأمريكي ودسائسه بعيدة المدى، فالطائرات الأمريكية الآن تحلق ضمن الأحياء السكنية المأهولة، وتقصف كما يحلو لها، وقد دمرت حتى الآن مرافق حكومية منها مرافق تعليمية هامة كمبنى المعهد التقني وعدد من المقرات التعليمية والحكومية، آخرها مبنى رئاسة فرع جامعة الفرات بالحسكة بحجة ملاحقة الإرهابيين الفارين من سجن كان من المفترض أن يكون مشدد الحراسة، ومراقب بأحدث تقنيات الرقابة الأمريكية، وهنا يبرز سؤالان.

أولهما كيف تم الاختراق وهروب عشرين على ما يقولون من أخطر إرهابيي العالم، وذلك تحت سمع وبصر المحتل الأمريكي؟ وثانيهما لماذا تتم ملاحقة هؤلاء بالطيران والقصف ضمن الأحياء السكنية المكتظة؟ إلا إذا كان الأمر استهدافا متعمدا وممنهجا لتدمير البنية التحتية التعليمية والمدنية، بهدف الوصول إلى وضع يصعب فيه استمرار الحياة في تلك المناطق ودفع المدنيين إلى مغادرة سكنهم (وهو ما حصل) كنوع من التغيير الديمغرافي لأهالي تلك المناطق، و”قسد” والمنظمات الدولية يتفرجون!!

بالمقابل فإن الحكومة السورية منفردة استنفرت كل طاقاتها وإمكانياتها في الحسكة لإغاثة الأهالي المنكوبين، وشكلت بسرعة فائقة خلية أزمة متكاملة، وتم على الفور تشكيل فرق مسح ميداني لتسجيل أسماء النازحين وتقديم سيارات إسعاف وعيادات طبية متنقلة للخدمات الطبية والطارئة وللحالات الاسعافية، مع وسائط نقل لنقل الأسر ضمن أحياء المدينة باتجاه منازل أقاربهم، كما تم تشكيل غرفة عمليات بين مديرية الشؤون و الجمعيات والهلال الأحمر لافتتاح مركز إيواء أو أكثر ضمن وسط المدينة مع تقسيم العمل والمهام في حال احتاج الأمر للإيواء مع تجهيز مواد طبية وغذائية إسعافية وقد جهزت صباح اليوم التالي لاستقبال مزيد من الأهالي.

مديرية أوقاف الحسكة توجهت فورا إلى السادة القائمين بالشعائر الدينية في مساجد مدينة الحسكة بمد يد العون للمهجرين من بيوتهم واستقبالهم في المساجد و الغرف التابعة للمساجد، وتم تخصيص أرقام ساخنة للباحثين عن المأوى، وتجهيز وسائل النقل الجماعي، والعيادات المتنقلة، وتوفير الخبز وتوزيعه مع مواد إغاثية بشكل مجاني، والوصول إلى العوائل التي لم تغادر منازلها وتقديم المساعدات لها.

كما تحركت الخارجية السورية بشكل مباشر، واعتبرت أن ما تقوم به “قسد” والمحتل الأمريكي يرقى إلى جرائم حرب، واستغربت الخارجية السورية موقف المنظمات الإنسانية وطالبتها بأخذ دورها إلى جانب الحكومة السورية بمساعدة الأهالي المنكوبين، وطالبت مجلس الأمن بأخذ دوره والدفاع عن المدنيين واحتواء الكارثة قبل تفاقمها.

أكثر من ٣٢٠٠  أسرة حتى الآن تم استقبالهم جميعا ونقلهم عن طريق وسائط نقل جماعي من نقطة بين الجسرين إلى أماكن أقاربهم أو إلى مراكز الإيواء التي تم افتتاحها بتوجيه وإشراف من المحافظ، حيث تواصل مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل بالتعاون مع الجمعيات الخيرية العاملة في الشأن الإغاثي وفرع الهلال الأحمر العربي السوري تقديم المساعدات الإغاثية لهم لاسيما وجبات الطعام من فطور وغداء وعشاء إضافة الى خدمات النظافة و الطبابة والصحة الانجابية عبر العيادات المتنقلة وكذلك البطانيات وفرش الاسفنج والتدفئة.

مشهدان متقابلان ومتعاكسان في الحسكة، ميليشيا إرهابية يفلت الوضع الأمني من يدها بشكل هائل كما تدعي، ومحتل يدعمها ويدمر المقرات الحكومية بدلاً من تقديم الإغاثة التي تقوم بها الحكومة السورية منفردة، ودوره الخبيث في اختلاق الأزمة عبر إرهابييه يكاد يكون حقيقة واقعة.

يعاكسه مشهد الاستنفار السريع لإمكانيات الحكومة السورية كلها لمساعدة الأهالي وإغاثتهم إنسانيا بكل الوسائل المتاحة رغم صعوبة العمل، ونجاحها في احتواء الأزمة الإنسانية والمعاناة، المشهدان المتعاكسان في الحسكة يقولان للعالم كله الحقيقة الدامغة، هناك أجراء ظنوا أن لديهم القدرة على إدارة سموها ذاتية بدلا من عاجزة وهو وصفها الحقيقي، باعوا أنفسهم لمحتل خبيث، وهناك دولة قوية وقادرة على الوصول لشعبها أينما كان ومساعدته كأولوية لا تفوقها أولوية، وهناك شعب سئم من المسرحيات التي تجري على حساب أمنه وحياته ومستقبله، ويريد العيش في كنف حكومته وسيحصل عليه عاجلا أم آجلا.

محمد الحيجي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار