أمين التحرير: اسماعيل النجم
المكتوب يعرف من عنوانه، والمدن من مداخلها ، المدن كالنساء كل واحدة لها إطلالة، ومداخل المدن مثل كلمات السر في الكمبيوترات عليك أن تحفظها كي تدخل واثقا من التراب والهواء والشجر والماء.
أتذكرون أعمدة النور المصطفة على جانبي طريق البانوراما؟ كنت تعرف وكنت تعرفين أنكما على بعد عشرة كيلومترات فقط من دوار الدلة، نورها كان علامة فارقة للمدينة مثل سيدة بيضاء الوجه تستقبل زوارها وأحباءها.
تغير الآن كل شيء، بدل السكينة التي كانت تملؤك وأنت تقرأ عنوان المدينة، مداخلها الذي تلج منه إلى مباهجها، بدل ذلك تدخل والكآبة تعض على روحك وليس الحنين، لا ترى سوى العتمة وتفقد الاتصال بذاكرتك.
هذا ليلاً، أما في النهار فوصولك أسوأ بكثير، الحرمل اليابس رمز البؤس والحنظل الشقي رمز المرارة يملآن الجزر الوسطية، الأوساخ شاهد الإثبات على الإهمال وسنوات الرعب متراكمة على جانبي الطريق، نبات غامض طلعه كأنه رؤوس الشياطين نما هناك وكأنه روح جديدة شريرة، لم تجد روحا قديمة طيبة تزيلها من فوق الأرض.
رغم كل هذا لا يترك الديريون ذاكرتهم، لم يخونوها يوماً ولا يفعلون، عادوا بالشاي والموالح وما تيسر من الطعام إلى البانوراما بعدما عادت أو أعيدت لهم، غير آبيهن بشيء سوى استعادة الذاكرة المنهوبة.
البانوراما، مدخل مدينتهم، جزء من تراث أرواحهم ربما لا يأتي ضمن أولويات القائمين على الأمور في الغرف المغمورة بالنور، لكنه حتما ضمن أولويات مدمني الذاكرة والمرضى المستعجلين الذهاب لمشفى الأسد وطلاب الجامعات.
أتذكر من زمان أننا وصلنا في الحافلة القادمة من دمشق إلى البانوراما، سائحة أجنبية بقربي تنهدت وقالت: (دير الزور) فسألتها :(ماذا تعني دير الزور) فنظرت لأعمدة النور الصفراء المصطفة على الجانبين، نظرت إلى عنوان المدينة وقالت (النور والفرات).
رقم العدد:4306