عودة الورق.. الوليمة الدسمة للفكر

لم يكن صباح سوريا وغيرها من المدن السورية يكتمل طيلة عقود خلت إلا بثلاثية مقدسة: صوت فيروز، رائحة القهوة بالهال، وحفيف الجريدة الورقية وهي تُطوى بين يدي القارئ، إلا أن فشل النظام البائد أغلق مطابع الصحف السورية لتتحول العادة اليومية إلى ذكرى، والورق إلى شاشات باردة.
اليوم، وبعد انقضاء ما يقارب الخمس سنوات من الغياب، تعود الصحافة الورقية لتعانق أصابع قرائها، معلنة أن العالم الرقمي مهما اتسع لا يمكنه إلغاء هيبة الورق.
هناك فرق شاسع بين أن تقرأ خبراً عابراً وأنت تقلب الصور بسرعة، وبين أن تجلس بهدوء لتقرأ مقالاً وتحليلاً، الورق يمنحنا فرصة للتأمل، وهو ما افتقدناه بشدة.
الصحافة الورقية اليوم لم تعد معنية بنقل الخبر المجرد، فتلك وظيفة تكفلت بها المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، دورنا اليوم يبدأ من حيث ينتهي الخبر الإلكتروني فنحن نقدم ما بعد الخبر.
عندما يقرأ المواطن في الجريدة، هو لا يبحث عن معرفة (ماذا حدث) لأنه عرف ذلك بالأمس عبر فيسبوك، بل يبحث عن (لماذا حدث؟) و(ماذا بعد؟).
الصحافة الورقية الآن هي صحافة الرأي، التحليل العميق، والتحقيق الاستقصائي الذي يتطلب مساحة وهدوءاً لا توفرهما الشاشات الصغيرة.
رغم سطوة التكنولوجيا، أثبتت التجربة السورية أن الوسائل الحديثة لا تلغي القديمة بل تتكامل معها، فوسائل التواصل الاجتماعي قد تكون وجبة سريعة للمعلومة، لكن الصحافة الورقية هي الوليمة الدسمة للفكر.
محمد الحيجي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار