في الشوارع والأحياء السورية، تمتزج أصوات الأطفال الصافية بريح الصباح، لتشكل موسيقى وطنية لا تكتب ولا تدرس، بل تحس بعمق، هؤلاء الصغار، الذين يرفعون الأعلام احتفالا بذكرى التحرير، يحملون على أكتافهم إرثاً أثقل من أعمارهم، لكنهم يدركون بفطرتهم أن النصر حق كان ينبغي أن يأتي وأن طال، وأن المستقبل ينبغي أن يكون أفضل.
أصواتهم التي تملأ عنان السماء ليست مجرد ضجيج احتفالات، بل هي وعد بأن جيلاً وُلد وسط الرماد قادر على صناعة غد مختلف، هذا الجيل عرف الخوف والبرد والغياب قبل أن يعرف المدارس واللعب.لقد تحوّل أطفال الثورة هؤلاء من مجرد شهود على مرحلة قاسية إلى بناة حقيقيين لغد الوطن، ذهبوا أطفالاً وراء أحلام بسيطة، وعادوا اليوم شباباً يحملون شهادات الطب والهندسة، أو يقفون على خطوط القتال دفاعاً عن وطن يستحق الحياة.
هذا الجيل الذي حاولت الأحداث أن تكسره، صاغ لنفسه هوية لا تعتمد على الأسى، بل على الإرادة الصلبة، ليثبت أن الأمل ليس فكرة مجردة، بل قوة حقيقية تولد في أحلك الظروف، فهم كبروا وهم يعرفون قيمة الحرية أكثر من أي جيل سبقهم.
يوم التحرير ليس مجرد ذكرى سياسية أو مناسبة وطنية، بل هو اختبار لقدرة المجتمع على تجديد نفسه، وقراءة ما يحدث من خلال أعين من سيكونون عماده بعد سنوات قليلة، فحين يرفع هؤلاء الصغار الأعلام ويهتفون للنصر، فإنهم يكتبون بداية فصل جديد، وبين ضجيج المدن المتعبة والمدمرة، يتردد اليقين هذا البلد سيعمر بأيديهم.
اسماعيل النجم