نيسان والجلاء المتجدد

ابراهيم الضللي

شهر نيسان  شهر خالد يُبعث فيه الشهداء من جديد بصورة بهية استطاعت أن تجلي آخر جندي فرنسي عن أرض سورية الطاهرة.‏

 فمن صميم إرادة السوريين وبطولاتهم وتضحياتهم ولد نيسان الجلاء الذي علّم العالم  كله كيف ترفع رايات الاستقلال الوطني رغماً عن أنف المستعمرين، وتجعل الأمة العربية تتوق إلى مكانة لها تحت الشمس، حيث علّمت الجميع كيف تنتزع حرية الأوطان، إذ إن سورية أرض الأبجدية الأولى التي علّمت الدنيا أسرار الكتابة والتدوين وقدرة الحرف على التنوير والتحرير ووضعت البشرية أمام لغز إعجازات العقل وصناعة الحضارات وتقدم بني البشر, وبذلك استحقت سورية بجدارة أن تكون أول دولة عربية تنال استقلالها .‏

و العلم السوري بنجمتيه الخضراوين  والذي يرفرف في سماء أرجاء  الوطن ومنها دير الزور التي تحتفل بذكرى الجلاء بعد ان تحررت من الارهاب بسواعد ابطال الجيش العربي السوري , هذا العلم  هو علم الوحدة في وجه التفرقة، و الصمود في وجه التجزئة، وهو رمز الإرادة الحرة في وجه التبعية و المذلة و كل هذه المعاني تتوارد إلى ذاكرة السوريين في هذه المناسبة الغالية .‏

ثلاثة  وسبعون عاماً هو عمر سورية المستقلة , بعد أن اقتلعت من سفرها التاريخي ربع قرن من الاحتلال الفرنسي ,  الذي دنس أرضها الطاهرة , مستنزفاً معه أرواح ودماء مجاهدين سوريين عُصموا على عقيدة حقَة وعلى قضية وطن عادلة فقرروا النضال حتى آخر نفس كخيار أوحد لا يستوي دونه مجد سورية وعزتها وسيادتها, فكان لهم ما أرادوه,  لينبسط تحت راياتهم الحمراء وطن عزيز في كل شبر من أراضيه المقدسة.‏

ومنذ السابع عشر من نيسان عام 1946 انطلقت مرحلة تاريخية جديدة سطرها أبطال سورية الشرفاء و رجالاتها المجاهدون , بمداد من دم وإرادة وعزيمة لا تلين,  ليصل السوريون بعد رحلة من النضال والتحولات الجذرية والعمل الدؤوب لصياغة سورية الحديثة بمختلف ميادينها دون أن تغفل لحظة واحدة عن رسالتها القومية ودورها الأساسي في توحيد الصف العربي متخذة من فلسطين بوصلة دقيقة توجه جل خياراتها النضالية.‏

لقد كان نيسان الجلاء من أهم المحطات التي أعطت للهوية الوطنية السورية أبعادها القومية وأعطت للذاكرة السورية امتدادها في وجدان الأجيال فكانت ومازالت عصية على النسيان وعلى الفتنة التي أرادوا أن يشعلوها في سورية، وهم بما أرادوه لا يحرقون أوراقاً خاصة بالشعب العربي السوري وإنما يحرقون هوية أمة بكاملها ويدفنون ذاكرة أجيال عربية على امتداد التاريخ المعاصر .. وهم يعرفون أن خدمتهم لمشغليهم وإنفاذ أجندتهم في عمق الوطن العربي لا تكتمل إلا بتعطيل قلب العروبة النابض في دمشق الذي كان ولا يزال ينبض بنيسان الأربعينيات في السابع عشر منه جلاء معمداً بالفداء والدماء.‏

وقد لعبت محافظة دير الزور ككل محافظات الوطن  دوراً نضالياً متميزاً في طرد المستعمر الفرنسي عن أرض الوطن ، فلم يستطع الاستعمار الفرنسي أن ينعم يوماً بالهدوء والطمأنينة والسعادة على ارضها طيلة وجوده ، ومن أرض دير الزور وتحديدا من البوكمال تم طرد اول حامية فرنسية من ارض الوطن   .

ولنيسان اليوم جولة أخرى مع التاريخ مع الانتصار مع من يحاول أن يغتصب أرض سورية العصية على المحتلين والمستعمرين الذين لم يتركوا فرصة تمكنهم من بلوغ تنفيذ خططهم ومآربهم الا وحاولو بها …. هذا المستعمر الذي عينه على أم الدنيا وقلبها يواجه بقلعة من الصمود والتحدي بأبطالها الذين يناضلون في سبيل دحر الاستعمار بأشكاله المختلفة والذين  حاولوا ان يدخلوا من بوابة الارهاب عبر ادواتهم في المنطقة وحينما فشلوا لم يتبق امامهم الا التدخل بأنفسهم وهنا ايضا فشلوا .. فراحوا باتجاه محاولات جديدة قديمة عبر اعلان ترامب ضم الجولان السوري المحتل للسيادة الصهيونية لكن ذلك لم يفلح بل زاد  ابناء سورية  صمودا وعزيمة والتفافا حول الجيش وقائد الوطن القائد المفدى بشار الأسد   .‏

نعم المواجهة مستمرة وذكرى الجلاء تتجدد مع مواجهات أبطالنا من الجيش العربي السوري وكواكب 17 نيسان  و 6 تشرين الذين سطروا تاريخ الاستقلال والتحرر بثياب العزة والكرامة والبهاء يعودون اليوم بأبناء سورية الشرفاء و بجيشه العقائدي وبقيادته الحكيمة ليتصدوا لكل قبيح همجي قادم من غياهب التاريخ .

رقم العدد: 4230

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار