الدكتور خيام الزعبي
بعد سقوط نظام القذافي عام 2011 ضربت الفوضى ليبيا وسيطرت المليشيات والفصائل المسلحة على هذا البلد، وأصبحت تستبيح ثرواته وخيراته، مدعومة من أطراف خارجية، جعلت الأرض الليبية ساحة صراع بينها، فبين أحداث مشتعلة واقتتال داخلي نجح الغرب في جعل ليبيا تتخبط في دوامة العنف والفوضى، وخاصة بعد دخول التطرف الإسلامي وأنصاره على الخط، وهو ما أدخل ليبيا في هذا النفق المظلم الذي أصبح يحتاج إلى معجزة للخروج منه.
ينظر الجميع بترقّب شديد وحذر إلى مآل تلك التطوّرات التي باتت تُهدّد وحدة هذا البلد ودول الجوار والمنطقة ككل، فليس من شك في أن الوضع الليبي الراهن هو نتاج لمسار كامل لحقت به العديد من الاهتزازات التي أدّى في نهاية المطاف إلى اتساع الهوة بين مختلف الأطراف السياسية وكثرة التجاذبات والاستقطابات، وانتهى إلى ضبابيّة المشهد السياسي وتداخل لعناصر في غاية الخطورة منها سطوة المجموعات التكفيريّة وانتشار السلاح في كلّ مكان وتقلّص سلطة الدولة ومؤسّساتها الراهنة، مما عزز على تفاقم الأزمة الداخلية بين الفرقاء في ليبيا.
الصراع الذي تشهده ليبيا حالياً هو صراع بين معسكرين دوليين، السراج الذي تم فرضه بضغط من إنكلترا وتركيا وقطر و إيطاليا وفرنسا، ومجلسه الرئاسي معظمه إخواني، أما الجنرال حفتر رفيق القذافي في انقلابه عام 1969، فيحظى بالدعم الأمريكي والسعودي والمصري، وكذلك مساندة الجيش له، والبرلمان الليبي المنتخب عام 2011 يدعم الجيش الليبي بقيادة حفتر، كل ذلك يجعل من الجنرال حفتر والجيش المساند له قوة مؤثرة في الميدان العسكري، وقادرة على تغيير المعادلة القتالية في ليبيا.
في هذا السياق لم تثمر الجهود الدولية في الفترات السابقة عن إيجاد حل للقضية الليبية، وجميع المفاوضات عجزت عن إيجاد مخرجات نهائية تجعل الوضع مستقرا، بسبب الصراع الدولي المحتدم، ورغبة الأطراف المتنازعة في الاستحواذ على مقدرات الشعب الليبي وثرواته.. لذلك فشلت جهود مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة في إيجاد صيغة نهائية ترضي الأطراف المتصارعة المحلية، ووضع صيغة نهائية للأزمة الليبية.
ليبيا اليوم أمام مفترق طرق، وأي خطأ سيؤدي بها إلى الانهيار بشكل كامل، في ضوء هذه الوقائع والمعطيات، فإن استمرار واقع الفوضى وعدم الاستقرار وفقدان الأمن والأمان في ليبيا يقود إلى سيناريوهين أساسيين هما: السيناريو الأول: أن يؤدي هذا الواقع، إلى فرض مخطط تقسيم ليبيا إلى دويلات وفيدراليات تسيطر عليها المليشيات، وهو ما يناسب الشركات الغربية التي لها مصلحة في عدم وجود دولة مركزية والإبقاء على واقع الصراعات والانقسامات، لأنه يتيح لها المجال للتحكم بعملية نهب الثروة النفطية في ليبيا، وبالتالي تسعى الى بقاء مظاهر انتشار السلاح والكتائب المسلحة في البلاد.
أما السيناريو الثاني: يؤدي الى تكّون رأي عام واسع النطاق يسعى باتجاه إيجاد بديل وطني يقوم على أساس العمل لبناء دولة مركزية، توحد ليبيا على قواعد وأسس تعزز دولة العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع المواطنين الليبيين، وذلك من خلال توفير الأمن والوئام الاجتماعي وتجريد الجماعات المسلحة من أسلحتها.
اليوم يكتشف المجتمع الدولي مرة أخرى حجم الفوضى العارمة التي تعيشها ليبيا ما بعد القذافي، واكتشف أن الثورة المزعومة لم تحرر الإنسان الليبي، وتحقق أمنه واستقراره، بل إن الليبيين صاروا يترحمون على زمن القذافي بعد كل الظلم الذي لحقهم على أيدي الجماعات الإرهابية التي تسمي عناصرها ثواراً، وبالتالي فإن الغموض الذي يكتنف تطورات الأحداث في ليبيا يدعو إلى قلق المجتمع الدولي بأسره، لاسيما في ظل تعقيد خريطة النزاعات بين الفرقاء، وأنا على يقين أن أبناء ليبيا سوف يقفون خلف كرامة وطنهم حتى يتحقق المرجو لليبيا، وهو محو كل إرهاب غاشم يستهدف ليبيا والعرب، وبالتالي عرقلةً مخطط الناتو الذي دمر وأزهق وأباح كل أركان الدولة الليبية.
لقد خسر الشعب الليبي أشياء كثيرة جدا ما بين الخراب والدمار وآلاف الضحايا ولكن مازالت الأطماع تتجه إلى التراب الليبي… ويبقي السؤال الرئيسي هو، هل سيكون حفتر هو رئيس ليبيا ويحظى بدعم الجيش الليبي؟ ، أم إن الأزمة الليبية لم يحن الوقت لإنهائها؟ ذلك ما سنعرفه قريبا.. من نتائج على أرض الواقع.
ختاما نسال الله تعالى ان يحفظ ليبيا وشعبها من المرتزقة والقتلة والعملاء للأجنبي الذين يتمسحون بالوطنية بينما هم يبيعون الوطن في سوق النخاسة بحفنة من المال ، ويجعلها أكثر حذراً وإدراكاً للمشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة العربية.
khaym1979@yahoo.com
رقم العدد: 4226