بمناسبة الذكرى الـ500 لوفاته، يبدو أن الاحتفالية التي يعدها متحف اللوفر الفرنسي بشأن الفنان الإيطالي، ليوناردو دافنشي، قد تنتهي بخسائر فادحة.
فليوناردو دافنشي كان رائدا في عصر النهضة، وكان رساما وعالما ومهندسا ومخترعا، وحظي بالإشادة كأحد أعظم الفنانين الذين عاشوا على الإطلاق.
ولكن في الوقت الذي تستعد فيه أوروبا لعرض فني يستمر عاما كاملا بمناسبة مرور 5 قرون على رحيله، دخلت إيطاليا وفرنسا في خلاف دبلوماسي بشان دافنشي، مما يهدد المعرض الضخم في متحف اللوفر في العاصمة الفرنسية باريس.
وكان دافنشي، الابن غير الشرعي لكاتب العدل في بلدة فينشي في منطقة توسكان الجبلية عام 1452، قد قضى معظم سنواته الأخيرة في بلاط الملك الفرنسي فرانسوا الأول، الذي كان راعيا للفنون والآداب، حيث توفي في الثاني من مايو عام 1519.
وتحولت حياة ليوناردو دافنشي إلى ما يشبه الأسطورة المستمرة، كما تبينها لوحة “إنغريس” الشهيرة التي كان يموت بها في أحضان الملك فالوا، على الرغم من أن الأخير كان في ذلك اليوم في مكان آخر يعمد ابنه، وفقا لما ذكرته صحيفة “الغارديان” البريطانية.
غير أن جر دافنشي في هذه الأيام إلى خلاف سياسي طويل الأمد بين حزب الرابطة اليميني المتطرف في إيطاليا بزعامة ماتيو سالفيني ورئيس حزب الوسط في فرنسا إيمانويل ماكرون، تسبب في إثارة أحزان المؤرخين وقلق القائمين على عالم المتحف في العالم.
وقد تزايدت جهود التفاوض مؤخرا من أجل تهدئة الجدل الذي نجم عن عضو حزب الرابطة ونائب وزير الثقافة الإيطالي لوشيا بورغونزوني عندما اقترحت أن تلغي حكومتها “إعارة” بعض اللوحات الرئيسية لدافنشي وسحبها بعد أن كانت المتاحف الإيطالية وفقت على ذلك قبل عامين، متهمة فرنسا بمحاولة الهيمنة على احتفالات ليوناردو و”تهميش إيطاليا في حدث ثقافي كبير”.
ولتوضح وجهة نظرها، أضافت بورغونزوني قائلة: “ليوناردو إيطالي وكل ما هنالك أنه مات في فرنسا فقط”.
ومن المقرر أن يتم افتتاح عرض متحف اللوفر في أكتوبر بحيث لا يطغى على الاحتفالات الإيطالية بهذه المناسبة في مايو المقبل.
ويوجد في اللوفر 5 لوحات لدافنشي فقط من أصل 14 لوحة منسوبة للفنان العظيم، لكن المتحف الفرنسي أراد الاستفادة من إيطاليا باستعارة بعض اللوحات الخاصة بدافنشي، وبالمقابل، تقرر إعارة روما بعض أعمال رفائيل سانزيو لعرضها في السنة المقبلة.
وحرصا على التهدئة، لم يصرح متحف اللوفر بأي تصريحات من شأنها التصعيد أو صب الزيت على النار.
ويعتقد أن من بين لوحات ليوناردو، الذي يسعى اللوفر لاستعارتها من إيطاليا، اللوحة الشهيرة “فيتروفيان مان”، الموجود في فينيسيا، بالإضافة إلى اللوحة غير المكتملة “القديس جيروم في البرية”.
وقال وزير الثقافة الفرنسي، فرانك ريستر، إنه ينبغي معالجة الجمود عبر إجراء محادثات “سلمية”، ولذلك فإنه سيلتقي نظيره الإيطالي ألبيرتو بونيسولي الشهر المقبل في محاولة للتوصل إلى اتفاق.
وقال بونيسولي، وهو عضو في حركة الخمس نجوم المناهضة المشاركة في الائتلاف الحكومي، إنه ليس ضد اتفاقية إعارة لوحات ليوناردو، مشيرا إلى وجود بعض “الاختلالات” في الصفقة الأصلية التي كان من الضروري تسويتها.
من جانبها قالت أستاذة تاريخ الفن في جامعة تور فيرغاتا في روما وعضو لجنة الإشراف على الاحتفالات في إيطاليا، باربارا أغوستي: “أتمنى أن يحدث هذا الاجتماع قريبا، لأن هذا الوضع الناجم عن المأزق الدبلوماسي لا يؤثر على أحداث فعاليات ليوناردو فحسب، بل يشل أيضا كل عمليات التبادل الثقافي مع المتاحف الفرنسية، وهذه كارثة”.
وأضافت “تم التعامل مع هذا الموقف بطريقة خرقاء، لكن الخاسر الأكبر في هذا هو حكاية الفن.. إنه أمر مؤسف للمتاحف الإيطالية والفرنسية”.
ومن الفعاليات الأخرى التي تسليط الضوء على حياة ليوناردو دافنشي التي شهدتها فرنسا، عرض “الفنون الجميلة – باريس” حيث عرضة 4 لوحات لليوناردو كجزء من معرض رسوم عصر النهضة، وهذه اللوحات لم يروها كثير من الناس في الأماكن العامة من قبل.
ومن الأمور المثيرة للخلاف بين إيطاليا وفرنسا موقع “مدرسة الفنون” وذلك بعد سرقة لوحة الموناليزا من متحف اللوفر عام 1911.
فبعد عامين من حيرة الشرطة وشكوك في غير محلها حول تورط الفنان بابلو بيكاسو والشاعر غيوم أبولينير، عثر على اللوحة، التي سرقها مجرم إيطالي، في فلورنسا، ثم أعيدت إلى باريس، لكنها نقلت أولا إلى مدرسة الفنون الجميلة ليتم التأكد من صحتها وأنها ليست لوحة مزورة، حيث عرضت على الجمهور لمدة يومين.
ولإضفاء من مزيد من الخرافة والأسطورة حول ليوناردو، جادل السارق في ذلك الوقت بأنه كان يريد إعادة لوحة الموناليزا إلى موطنها الشرعي بعد أن سرقتها فرنسا، ولكن في الواقع كان ليوناردو دافنشي نفسه قد اصطحب اللوحة معه إلى فرنسا عام 1516 حيث اشتراها الملك فرانسوا الأول.
وقال مدير مدرسة الفنون الجميلة إيان دي لويزي “إن هناك شغفا عالميا بالتاريخ ولا يمكن اختزال أحد أكبر الفنانين في العالم، ليصبح مجرد فكرة سياسسة. أعمال ليوناردو هي أعمال عالمية، وليست إيطالية أو فرنسية فقط”.
من جانبه قال مؤرخ عصر النهضة والخبير في أعمال ليوناردو دافنشي، باسكال بريويست إن علاقة الفنان بفرنسا بدأت في بداية مسيرته بين الرعاة والجغرافيا المتغيرة، التي كانت مختلفة جدا عما هي عليه حاليا، مضيفا “من الخطأ أن نتخيل أن دافنشي كان وطنيا بالمعنى الحديث للمصطلح لأن الوطنية الحديثة لم تكن موجودة بعد”.
أما صوفي شوفو، التي كتبت تناولت فكرة ليوناردو باعتباره شخصية أدبية، فقالت إنه “نجم يجسد صيغة التفضيل الفائق. كان يتمتع بخاصية بشرية ومهتم بكل شيء، كما أنه كان يولي اهتمامه للآخرين. لكنه لم يكن قط قوميا، فذهب إلى حيث يمكنه العمل. لذلك، فإن الصراعات الصغيرة اليوم، التي تدور حول ما كان عليه، تبدو سخيفة ومثيرة للسخرية”.
من ناحيته، قال مارك لازار، الذي يدرس في جامعة العلوم الفرنسية في باريس والجامعة الإيطالية LUISS في روما “إن الأزمة السياسية بين ماكرون وسالفيني هي الأكبر بين فرنسا وإيطاليا منذ عام 1945”.
غير أنه لاحظ أن الرئيس الفرنسي بدأ مؤخرا في تخفيف تعليقاته العامة ضد سالفيني، وقال لازار إنه من الواضح أن فرنسا تريد “تجنب الأزمة السياسية التي لها تأثير على النشاطات الأخرى، بما في ذلك الثقافة والمتاحف والذكرى الـ 500 لوفاة ليوناردو”.
رقم العدد : 4167