دلال مزعل النحاسية.. من دير الزور إلى متحف اللوفر

لا يختلف اثنان على شهرة القهوة، وأنها الأكثر شهرة في العالم في أساليب تقديمها، حيث تعد المشروب المفضل عند أكثرية الشعوب ومن ناحية أخرى يتفنن الناس في أنواع وأشكال تقديمها بالدلال والفناجين، حيث أصبحت الدلال رمزاً لأغلب الدول العربية، لأنها تجسد كرم الضيافة العربية الأصيلة، وتعد المنطقة الشرقية وخصوصاً دير الزور وأريافها من أكثر المهتمين بها حيث تقدم القهوة المرة في التعازي  بشكل رئيسي.

 

اشتهرت صناعة الدلال التقليدية والسيوف والخناجر، عند العرب، منذ ما قبل الإسلام، وذلك لما لها من مكانة عندهم، فكان لها مدلول حقيقي على حسن الضيافة و الكرم.

يعدّ آل مزعل الأشهر على الإطلاق في مجال صناعة النحاسيات، وقد توارثوا المهن حفيداً عن أب عن جد، حتى طلب صناعاتهم الملوك والأمراء، وكانوا إحدى العالمات الفارقة في تاريخ دير الزور، و في لقاء مع الحاج علي المزعل وابنه الأستاذ محمد المزعل حدثونا عن الدلال الديرية وقالوا:

 عمر هذه المهنة أكثر من مئتين وخمسين عاماً، توارثناها أباً عن جد و العدد التي تصنع منها هذه الدلال تعود لذاك التاريخ، وهذه العدد لا يستطيع أحد اليوم أن يصنع مثلها، و تتكون من السنادين و المطارق بأشكال وقياسات مختلفة.

و ذكر الحاج علي أن هذه الصنعة من أصعب المهن في العالم لأن الدلة تتشكل من قطعة نحاس واحدة فقط، دون الحاجة إلى أي وصل أو لحام على عكس الدلال الأخرى، وتوارثها ابناه إسماعيل ويوسف ومن ثم حفيده علي، صاحب الورشة الحالية، ولخصوصية هذه الدلال، فإن تصنيعها يتطلب الكثير من الدقة والتأني، وله مراحل كثيرة.

تبدأ القصة حسب آل المزعل بلوح نحاسي يقص على شكل دائرة ومثلث، وبعدها تأتي عملية الجمع وطي النحاس ثم تخميره على النار وانتظاره حتى يبرد، وتعاد هذه العملية أربعين مرة، ثم مرحلة الخصر التي تعاد ثماني مرات، ثم التشكيل والتطريق الذي يحتاج وقتاً طويلاً جداً، ثم النفض والسحق والتطريق مجدداً، ثم صناعة الغطاء أو الطبشة، و أخيراً نختمها بختم العائلة القديم ذاته “عمل المزعل”.

كأدوات يستخدمون الناي وخشبة الناي والسبايك و الناريجة والمبرد الذي استبدل مؤخراً بالصاروخ الآلي، وغيرها، من هذه المراحل تُصنع أطقم الدلال التي تتألف من ست إلى اثنتي عشرة دلّة بأحجام متدرجة قد تصل لحجم ضخم في القطعة الأكبر التي يطلق عليها اسم “المختار” أو “القمقوم”.

العمل كله يدوي بحت، وصعوبته بالجهد الفكري وليس البدني، وقيمته ليست بما فيه من مواد، وإنما بالوقت والصبر والدقة التي يحتاجها لإنجازه.

يقول الحاج: هذه الدلال إما للضيافة والاستخدام، أو للعرض كتحفة فنية وهي تدل على الضيافة العربية و الكرم .

 و يذكر الحاج علي عن محله و الدلال القديمة التي كانت فيه  قائلاً:

لها تاريخها،  حيث دمر المحل كما هو حال معظم معالم مدينة ديرالزور على أيدي عصابات النظام البائد، حيث  دُّمرت ورشة العائلة الأصلية التي كانت تقع في الساحة العامة وسط المدينة، لكننا تمكنا من إنقاذ الأدوات من تحت الأنقاض، وهو أمر كانت له أهمية بالغة نظراً لقيمتها الكبيرة، والخسارة امتدت لتشمل الكثير من الدلال القديمة والتي صنعها المزعل الجد.

ويقول ابنه الاستاذ محمد المزعل: اكتسبت صناعتنا شهرة واسعة وصل صداها إلى متحف اللوفر بفرنسا، قسم التحف العربية, ودلال اليوم هي ذاتها الدلال التي صنعت قبل مئتين و خمسين عاماً، بنفس العدة ونفس المادة الأولية المصنعة، و نفس المهارة، وهي الرمز الاصيل لمدينة دير الزور.

ختاماً، على رغم من حداثة العصر في مجتمعنا، إلا أن الناس لا يزالون يحتفظون بالتقاليد  العربية الأصيلة، ولا يستغنى عنها مهما تطور المجمع و تحدث، فالعادات والتقاليد هي من ركائز العقل المجتمعي العربي.

مهدي الراوي

 

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار