لعبت المرأة الفراتية دورا اجتماعيا ومهنيا، فكانت تقوم بأعمال إنتاجية لمساندة الزوج في تحمل تكاليف المعيشة، ومن تلك المهن دلالة الذهب، والخراجة، والخبازة، وتربية الماشية، وفي فلاحة الأرض، فبدلا من أن تنافس الرجل كانت هي من توجهه وتحركه دون أن يشعر.
مر على دير الزور حقبة من الزمن اعتمد أهلها على أنفسهم بصنع ما يلزم في حياتهم بأيديهم فكانت جميع الأعمال المهنية يقومون بها يدوياّ ومن أشهر تلك الأعمال دلالة الذهب مهنة قديمة كانت موجودة في محافظة دير الزور ولكنها اختفت لتغير المفاهيم الاجتماعية المرتبطة بها، كما كانت تقوم بكثير من الأعمال التي تتناسب مع البيئة وما تحتاجه أسرتها ومنها الطرازة والنقاشة وهي مهنة فنية رائعة تحتاج إلى مهارة فائقة تمهنها الكثيرات من النساء وخاصة البنات وهي تعطي مردوداً جيداً ودخلاً عالياً لهن ويقمن بتطريز أغطية المخدات والشراشف ولباس الأطفال وما يستعمل لمائدة الطعام.
هناك العديد من المهن كانت تقوم بها النساء في دير الزور إلا أن الرابط الأساسي بينها هو أن العديد من تلك المهن كانت لا تضطر المرأة فيها إلى مغادرة المنزل وإنما تقوم بتلك الأعمال في بيتها، ولعل من أشهرها مهنة دلالة الذهب؛ فهذه المهنة فرضها الحياء الاجتماعي حيث تخجل المرأة من الذهاب للصائغ لبيع الذهب ما يضطرها للاستعانة بإحدى النساء اللواتي يطفن البيوت لعرضه دون ذكر صاحبته، وهناك الخراجة وكانت النسوة في الدير يلبسن العباءة فكانوا يأخذن قطعة القماش إلى الخراجة التي تعمل على تطريز أطرافها إضافة إلى الأردان الأكمام كان لها ألوان عدة وأسماء عدة مثل البشت المحتف والشيفون وسيور الطاحونة والحبر، وبعض الثريات تزين العباءة بشناشل من الذهب في طرفها وتسمى بلابل.
ومن المهن التي امتهنتها الناء الصمادة أي تجميل العرائس وذلك بوضع المساحيق على وجهها والكحل في العيون وتصفيف الشعر والشكات الذهبية والبرق وهي مهنة الكوافير والمكياج حالياً، وهناك الغزالة وهي التي تقوم بغسل الصوف وتنظيفه ومشطه ومن ثم تقوم بغزله بالدوك وهو قطعة من الخشب وبعد صبغه بصنع منه البسط والسوح وبعض مستلزمات البيت، والغزل يعد مرحلة من ومراحل صناعة بعض الأثاث المنزلي كالسوح والبسط فبعد الغزل والصباغة يتم نسج البسط والسوح وغيرها وهذه أيضاً مهنة تقوم بها النساء وتسمى المرأة التي تعمل فيها النساجة وقد اشتهرت مناطق معينة من المحافظة بهذه الصناعة مثل منطقة البوكمال وبالإضافة إلى عمل المرأة في البسط تقوم بنسج الألبسة من الصوف والقطن وكذلك نسج الليف.
وهناك مهن أخرى نشأت نتيجة عدم وجود التنور في بعض البيوت أو نتيجة الوفرة المادية عند البعض مثل مهنة الخبازة وهي مهنة تمارسها بعض النساء اللواتي لا يتوافر لديهن مصدر رزق جيد حيث تقوم الخبازة بأخذ العجين وخبزه مقابل كمية من العجين أو الخبز تعمل على بيعه ما يشكل مصدر رزق بالنسبة لها
تتميّز النسوة في الريف بأنهنّ فنانات بالفطرة فقد تخرجن من مدرسة الحياة الريفية التي تسودها البساطة والغنى في المواضيع الفنية والاجتماعية الدينية من خلال عملهن في صناعة وإبداع أجمل أنواع الأشغال اليدوية ذات الوظائف المنزلية المتعددة مثل اللوحات الفنية الجميلة والألبسة وأوجه المخدّات والأدوات المطبخية وغيرها والتي ما زالت تصنع في ريفنا الجميل ومنذ أقدم الأزمنة.
تشكل المرأة الريفية في وادي الفرات رمزاً للحضارة والبداوة، ورمزاً للشقاء والبقاء، ورمزاً للعلم والعمل، لكنها في المجمل هي رمز للحياة
الفرات