القهوة البدوية.. شريكة الأفراح والأتراح

 

تلعب القهوة العربية دوراً اجتماعياً في حياة أهل البادية، ولهم عادات ما زالوا محافظين عليها، فقلب الدلة وسكب القهوة حداداً على شيخ العشيرة، وإصدار صوت خفيف تنبيهاً للضيف، وهز الفنجان يميناً وشمالاً دلالة على كفايته من القهوة.

تُعدّ القهوة رمزاً من رموز الكَرَم عند العرب، يُفاخرون بشربها وتُعَدّ مظهراً من مظاهر الرّجولة في نظرهم، كما تعبر عن الكلام والفرح والحزن أيضاً؛ فإذا سمع البدوي بموت زعيم القبيلة أو شيخ العشيرة أو أي صديق فإنه يعبر عن حزنه بأن يسكب القهوة على الأرض ويترك الدلة بشكل مقلوب مدة محددة دلالة على الحداد.

للقهوة عادات قبلية متعارف عليها بين الناس وفي كل القبائل، فيجب أن تسكب القهوة للضّيوف وأنت واقف وتمسك بها في يدك اليُسرى وتقدم الفنجان باليد اليُمنى، ولا تجلس أبداً حتّى ينتهي جميع الحاضرين من شرب القهوة، بل أحياناً يُستحسن إضافة فنجانٍ آخرٍ إلى الضّيف في حال انتهائه من الشرب خوفاً من أن يكون قد خجل من طلب المزيد، وهذا غايةٌ في الكرم عند أهالي البادية.

ويحفظ أهل الفرات قصائد القهوة في مضارب البدو ومنها:

يا كليب شب النار يا كليب شبه… عليك شبه والحطب لك يجاب

وبليلة يا كليب صلف مهبه…….. مجرسنين وسوقهن بالعقاب.

مهارةُ صبّ القهوة أيضاً أن تُحدِثَ صوتاً خفيفاً نتيجة ملامسة الفنجان للدلّة، وكان يُقصَد بهذه الحركة تنبيه الضّيف إذا كان سارحاً، أما في الأحزان كالعزاء أحياناً فعلى مقدم القهوة ألا يصدر صوتاً ولو خفيفاً، كما أنّ مِن مهارة شرب القهوة أن يهزّ الشّارب الفنجان يميناً وشمالاً حتّى تبرد القهوة ويتمّ ارتشافها بسرعة. يقول الشاعر:

قم سوما يصبغ الصين لذياب… بدلال يشدن البطوط المحاديب

واحمس ليامن العرق فوقهن ذاب…. واستد ما يجذب عليه من الشراريب

ليا صبغ فنجانها كنه خضاب……. ورس صبغ بكفوف بيض الرعابيب.

وبلغ من احترام البدو والعرب للقهوة أنّه إذا كان لأحدهم طلب عند شيخ العشيرة أو المُضيف، فيضع فنجانه وهو مملوء بالقهوة على الأرض ولا يشربه، فيلاحظ المُضيف أو شيخ العشيرة ذلك، فيُبادره بالسؤال: ما حاجتك؟ فإذا قضاها له، أمَره بشرب قهوته اعتزازاً بنفسه، وإذا امتنع الضّيف عن شرب القهوة وتجاهله المُضيف ولم يسأله ما طلبه؛ فإنّ ذلك يُعدّ عيباً كبيراً في حقّه، وينتشر أمر هذا الخبر في القبيلة. ومن قولهم:

عقب العشا يرهم على الضيف نشدات….. ومعلوم إن اسم المعزب يسيلة

طرايف ولا القصايد كثيرات…….. والصدق ما يجزع فهيم حكيله.

أما عن أنواع الفناجين لدى البدو فلفنجان القهوة ثلاثة أنواع هي: (فنجان الضيف وفنجان الكيف وفنجان السيف)، فنجان الضيف: يصب الفنجان للضيف ليشربه على اعتبار أنه ضيافة كما أنه بمثابة الخبز والملح الممالحة، وفنجان الكيف: يصب فنجان آخر للضيف ليشربه وهذا للكيف والسعادة والنشوة، وفنجان السيف: يصب للضيف ويعني إذا جاء قوم غزاة على هذه العشيرة فعلى الضيف أن يدافع معهم.

إذا كان الضيف أكثر من واحد، اثنين أو ثلاثة مثلاَ من الشيوخ ومن مستوى واحد؛ فعلى المضيف إحضار ثلاثة رجال ليصبوا القهوة لهم وفى آن واحد، ومن ثم إلى بقية المعازيم، وإذا لم يتواجد ضيوف وكانوا من العشيرة، فتصب القهوة أولاً إلى أكبرهم سناً؛ لأن العرب يحترمون السن، أو إلى الشيخ أو إلى أكرمهم ثم إلى أفرسهم لأن القهوة تخصيص، أما الشاي فـقص، أي من اليمين إلى اليسار.

آنية القهوة كما يسميها أهل البادية وهي: المحماس: هو إناء من الحديد مدور له ذراع يمسك بها، وتوضع فيه حبوب القهوة لتحميصها على النار، والهاون: هو المطرقة النحاسية التي تدق بها حبوب القهوة لطحنها وجعلها ناعمة كالدقيق، والملقط: هو أداة مصنوعة من الحديد تستعمل لمسك الجمر وتجميعه داخل موقد النار، والقمقوم: هو دلة كبيرة يحفظ بها مشروب القهوة، مصنوعة من النحاس، والمصافي: هي دلال نحاسية صغيرة تصفى بها القهوة ويصب منها للضيوف

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار