لطالما اشتهرت الرقة بجودة صناعة الجبن، وقد عمت تلك الشهرة عالمنا العربي كله، وصار الجبن الرقاوي يقدم كهدايا للأصدقاء من المحافظات الأخرى ومن دول الخليج، هذا ما قاله أبو عبد الله الرجل الستيني الذي عاصر أزهى الفترات حيث يصف جبن الرقة قديما بأنه كان الأفضل عالميا ويقل: (الصيت لفرنسا والفعل للرقة).
يجوب اليوم أبو عبد الله شوارع مدينة السبخة في ريف الرقة المحرر ، بحثاً عن سعر معقول لشراء مؤونة عائلته من الجبن، بعدما طاله الغلاء هذا العام كما طال كل شئ رغم أنه منتج محلي صرف طالما كان سعره في ريف الرقة أقل من سواه بكثير .
السيدة سلوى المحمد من السبخة تقول إن الجبن يعد المادة الرئيسية في كل وجبة إفطار عندنا، وهو الطعام الأكثر استهلاكاً بعد الخبز حيث اعتادت النساء في مدينة الرقة التوجه إلى سوق الألبان وسط مدينة السبخة لاختيار الأجبان الطازجة، وانتقاء الأكثر جودة بينها فور وصولها من الأرياف أو مربي الأغنام.
لكن الأمر اختلف هذا العام بعد ان ضرب الغلاء كل السلع خاصة الشعبية التي اشتهرت المنطقة بإنتاجها ولم يعد المشهد كما كان ولا الزحام الشديد وسط السبخة، وصار جبن السبخة يتم تصديره إلى من يقدر على شراء كميات كبيرة منه في العاصمة والمحافظات الأخرى وصار (طباخ السم لا يذوقه).
وقد اعتادت سلوى في كل عام على شراء كمية من الجبن تزيد عن ٥٠ كغ، كمؤونة لعائلتها المكونة من ١٢ شخصاً، لكنها تقول إن الوضع مختلف هذا العام، ولا تستطيع حتى شراء نصف تلك الكمية بسبب ارتفاع الاسعار حيث وصل كيلو الجبن (الأخضر) إلى 10 الاف ليرة إضافة إلى التمليح والغلي والمطربان ليصل السعر إلى ما يقارب 13 ألف ليرة سورية وهذا الرقم كبير جدا بالنسبة لدخلها المحدود.
أضف إلى ذلك فالجبن الرقاوي كان يقدمه أهالي الرقة كهدية قيّمة للأقارب والأصدقاء في المحافظات الأخرى، ولا يخلو من موائدهم طوال فصول السنة، نكهته مميزة لأنه يعتمد على حليب الأغنام حصراً، ومنتصف نيسان هو الوقت المثالي لصناعته.
ويقول أبو عمر أحد صناع الجبن القدامى :تعد صناعة الجبن في الرقة من الصناعات الريفية الأساسية، وأصبح الجبن البلدي مادة غذائية لها أهميتها داخل وخارج المحافظة، فلا يستغني أهل المدينة عنها ولا بد أن تتصدر موائدهم دائماً، كما يعدونها كنوع من الهدايا للأصدقاء من خارج المحافظة، لما تتمتع به من مذاق شهي وجودة عالية وفائدة مضاعفة بصفاتها كاملة الدسم.
وعن أفضل الطرق لصناعته يقول: أفضل موسم لإنتاج الألبان والأجبان، يكون عادة في الربيع أي من بداية شهر نيسان وحتى نهاية أيار، وأفضل أنواع جبن المونة يتم إعداده في منتصف نيسان، لأن شهره يمثل ذروة خصوبة الأراضي العشبية التي ترعى عليها الأغنام، قتقوم ربّات البيوت بتحضير مونة الجبن في تلك الفترة، وتخزّنها في الماء والملح بعد إضافة حبة البركة والمسكة إليها، ولا تقلّ كمية التخزين عن خمسة وعشرين كيلوغراماً كحد أدنى للعائلة الصغيرة
ويتابع: الطعم المميز والرائحة الزكية لـجبن الرقة له أسباب عديدة، أولها حليب الغنم وهو المادة الرئيسة التي تستخدم في صناعته، فلا يتم استخدام حليب البقر إلا نادراً، وثاني تلك الأسباب جودة المراعي التي ترعى فيها الأغنام في محافظة الرقة على الأعشاب العطرية، وخاصة في منطقة الشامية، التي تقع على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وعادة ما يتم تصنيعه على شكل أقراص أو قوالب مستديرة أو مربعة الشكل، ويتم بيعه في أغلب الأحيان نيِّئاً، لتقوم النساء بتقطيعه وغليه في المنزل ثم تخزينه
وعن طريقة تصنيع مؤونة الجبن الرقاوي: بعد شراء الجبن من أحد التجار نقوم بتقطيع الأقراص إلى قطع متوسطة الحجم، حيث تشارك مجموعة من نساء الجيران أو الأقارب بعملية التقطيع على شكل مستطيلات صغيرة أو مربعات، ثم تقوم إحدى النسوة بنقع قطع الجبن بالملح لتصبح مملحة جيداً، وتترك لمدة يومين أو ثلاثة أيام ليتماسك الجبن، من أجل المحافظة على استمراريته في التخزين، وفي اليوم الثالث يتم وضع هذه القطع في الماء المغلي لمدة ثلاث أو أربع دقائق وإخراجها وتركها جانباً لتبرد ثم تتم تعبئتها في علب معدنية.
اسماعيل النجم