في صباحات العيد القديمة، كانت أزقة الحسكة تضجّ بصوت ضحكات الأطفال وهم يتسابقون لزيارة الأجداد، وجيوبهم الصغيرة تمتلئ بـ”عيديات” لا تقدر بثمن، مهما كان مقدارها.
كان العيد حينها مناسبة استثنائية، ينتظرها الجميع، كبارًا وصغارًا، بطقوسها الخاصة التي تبدأ من صلاة العيد، مرورًا بزيارات الأقارب، إلى إعداد “لقمة العيد” وتوزيع الحلويات، وصولًا إلى تبادل بطاقات المعايدة التي كانت تعبّر عن مشاعر صادقة بخط اليد.

لكن مع مرور السنوات، وتحت ضغط الأزمات الاقتصادية والمعيشية المتزايدة، تغيرت الكثير من تلك العادات التي شكلت جزءًا من هوية الأهالي وذاكرتهم.
واقع اقتصادي يحدّ من الفرحة
“العيد لم يعد كما كان في السابق، كنا نحضّر له قبل أيام ونشعر بالسعادة في كل التفاصيل، أما اليوم فنحاول فقط أن نُرضي الأطفال بالقليل”، يقول أبو محمود (58 عامًا)، موظف متقاعد من حي النشوة الغربية.
ويضيف: “حتى العيدية لم نعد نوزعها كما في السابق، فالوضع الاقتصادي لا يسمح، ونحن بالكاد نغطي الاحتياجات اليومية”.
القهوة المُرّة تغيب عن بعض البيوت
تقول أم بدر (ربة منزل، 45 عامًا): “القهوة المُرّة كانت رمز العيد في بيتنا، لا يبدأ اليوم بدونها. أما الآن، فصرنا نكتفي بتقديمها في أول يوم فقط، لأنها مكلفة بالنسبة لبعض العائلات”.
المعايدات الورقية أصبحت من الماضي
وترى رنا محمد (طالبة جامعية، 22 عامًا) أن التكنولوجيا سلبت من العيد جزءًا من دفئه.
“أذكر أن والدتي كانت تحتفظ ببطاقات معايدة قديمة من خالاتي وعماتي، بخط أيديهن. كانت تلك البطاقات تعني لنا الكثير، أما الآن فكل شيء أصبح آليًا وسريعًا، مجرد رسائل جاهزة تُرسل بالجملة”، تقول رنا بأسى.
صلة الرحم تقاوم التحولات….
رغم هذه التغيرات، يصر الكثير من أهالي الحسكة على التمسك بجوهر العيد، والمتمثل في صلة الرحم.
يقول فارس العلي (مدرّس، 38 عامًا): “لا يمكن أن يمر العيد دون أن أزور والدتي وأشقائي وأقاربي. حتى لو لم أستطع تقديم هدية أو عيدية، فالكلمة الطيبة والزيارة لها أثرها”.
أما الحاج سالم (70 عامًا) من سكان ريف الحسكة، فيؤكد: “لقمة العيد تجمعنا، مهما تغيرت الأيام. العيد ليس بالمظاهر، بل بالمحبة التي نحافظ عليها بيننا”.

بين الأمس واليوم…..
قد تكون مظاهر العيد تراجعت، وقد تكون التكنولوجيا والظروف المعيشية قد فرضت نمطًا مختلفًا على المجتمع، لكن روح العيد لا تزال حاضرة في قلوب أهالي الحسكة، تقاوم التغير، وتحاول أن تحافظ على دفء الذكريات وسط برودة الواقع.
حجي المسواط