ما بين الخامس عشر من آذار من العام ألفين وأحد عشر والثامن من كانون الأول من العام ألفين وأربعة وعشرين، ولدت من رحم الآلام أسطورة لم تكتب بالحبر وإنما بالدماء والدموع، حين صرخ الشعب السوري قائلاً : “الموت ولا المذلة” فراح الطاغية الأثيم يعطيهم الموت واختار له ولمردته وشياطينه المذلة والارتهان لقوى خارجية تدعم غلوه في رغيف الفقراء كما تغوله في دماء الأبرياء، وخلال تلك الأعوام سطر الشعب السوري الحر ملاحم عظيمة سيخلدها تاريخ الشعوب الذي يقول: ليس كل الثورات مصيرها النجاح.
لكن الذين يؤمنون بقول الله عز وجل: (فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) هم ذاتهم الذين لقنوا أولادهم قول الله عز وجل: (إذا جاء نصر الله والفتح) وعلموا العالم قواعد جديدة في الثورات، وهي أن الظلم والاستبداد مصيره إلى زوال، وأن الثورات التي تقوم مطالبة بالحرية معززة بالحق ويحمل ثوارها الإصرار والعزيمة والثبات والإخلاص لله والوطن، لابد وأن يكرمها الله بالنصر المبين وهذا ما كان في ثورة أبناء الشعب السوري، الذين هبوا في منتصف آذار قبل أربعة عشر عاماً ليهتفوا بصوت واحد: لا لبقاء من لقبه كل العالم بالذنب والحيوان وطغمته المجرمة، التي أوغلت في الفساد ونهب خيرات الوطن والتنكيل بأبنائه، فقوبلت صيحاتهم السلمية بالرصاص والنار الذي تصدوا له بالثبات والاستمرار بما عقدوا العزم عليه، فزاد النظام المجرم إجراماً ومن شاهد معتقلات صيدنايا وغيرها من السجون يدرك حجم الإجرام الذي ارتكبه نظام الساقط البائد، الذي استقوى على الشعب بميليشيا حزب الله وبالميليشيات الطائفية الإيرانية والعراقية وبطائرات المحتل الروسي، ليشكلوا عصبة شر، قامت بقتل الشعب السوري وتدمير المدن والقرى ليكتمل مشهد الخراب الذي تزامن مع نهب ثروات الوطن وسرقة خيراته.
لقد لقيت دير الزور ما لم تلقه مدينة أخرى في سبيل الحرية، فتسعة وتسعون بالمئة منها تم تدميره، أحياء بأكملها صارت رماداً وحطاماً، شعبها تم حصاره وتجويعه لألف يوم، والباقي تم تشريده وتهجيره، حتى قدور الديريين والصواني التي يفخرون بها شعاراً لكرمهم العربي الأصيل، سرقها من لا يعرف الكرم ومن لم يقرأ عنه حتى لأنه ربي على الخسة والنذالة.
قبل أن ينبلج الحق وتستطع شمس الحرية، وفي الثامن من كانون الأول الماضي، ولى القاتل هارباً من سوريا وتاركا وراءه سيلاً من الجرائم والخراب والتدمير، ورغم كل الألم الذي تركه اللص المخلوع، إلا أنه “انقلع” إلى غير رجعة سوى رجعته إلى جهنم، ورحل عن شعب نال حريته ولازال يحتفل فرحاً بخلاصه من كابوس جثم على صدره نحو ستة عقود من الزمن.
عاشت سوريا حرة أبية، والرحمة لشهداء الثورة السورية، والشفاء العاجل للجرحى، وكل الدعاء لكشف مصير من فقدوا أعزتهم وأحبتهم سائلين الله عز وجل أن يشفي صدور قوم مؤمنين.
محمد الحيجي