مراسل الفرات دير الزور
ثقافتان تتنافسان، لنقل ثقافة ترى الخلاص في الروح، وثانية تراه في العقل، كلام مقبول لأنّ كلاً منهما يصحُّ أن يُقال عنه ثقافة، أمّا أن أنافس ثقافة تقسيم مجتمعي متعمّد، وخداع لأجيال تلو أجيال بعناوين كلّها تختلف عن محتوى الكتاب- البلاد، وسرقة لثروات الناس، وإفقار، وحرمان من الحقوق والحريات والرفاهية، ثم كمّ الأفواه بالرصاص، وقتل، وتجويع، وإذلال ممنهج، واغتصاب، وفظاعات يتبرأ منها فرعون، لا توجد منافسة هنا، لأنّ كلّ ما سبق وأبشع منه، ليس ثقافة، بل أسوأ من الحيونة.

في دير الزور كما في كل البلاد، وخلال عقود، كانت الثقافة في مواجهة الحيونة، والمشهد الثقافي لا يعبرّ عن المثقف، ويبتعد كثيراً عن طموحه، فسادت وسط كتّاب دير الزور وغيرهم حالة انكفاء عند من يرفق أن يكتب داخل غابة، وحالة اكتئاب عند من يكتب ليمرّر، رمزيّاً على الأقل، ما يريد، لوحات الفنانين نفسها برموزها المعقّدة كانت خاضعة لشراسة وحماقة الحيونة، وربما مثّل صنم المقبور الذي كان منصوباً فوق اتحاد العمل في دير الزور الأنموذج للفنّ “المقبول” حينها، في الوقت الذي تحول الصنم فيه إلى مادّة للسخرية لدى السوريين، صحفيّ من الدير أجرى مقارنة طريفة، فوضع صورتين وكتب تحتهما: (هذا تمثال رعمسيس الأول باني الامبراطورية المصرية، وذاك تمثال رمّة سيس الأول “باني سورية الحديثة”).
دير الزور كما قدّمت زينة شبابها على محراب الحريّة، قدّمت كتّاباً، شعراء، مسرحيين، رسّامين، موسيقيّين، كلّ منهم أجمل من ذاته وأجمل من الآخر، فجمعهم في نهاية المطاف جمال دمهم المسكوب في سبيل المجد والأوطان، وإنهاء زمن الحيونة، ومن واجبنا أن نذكّر بهم واحد تلو واحد، سنبدأ بالجميل محمّد القاسم الذي مزّقوه، ولم يمزّقوا ولن يفعلوا ما كتبه على قلبه قبل جدران بيته: (إذا كان الموت يأتي دائماً فليأت تالياً، الحرّية أبداً هي الأولى).
