يقع تل خويرة في أعالي الجزيرة السورية، بين نهري الخابور والبليخ، وفي منتصف المسافة بين تل أبيض ورأس العين، على بعد أقل من 5 كم عن الحدود السورية التركية.
زاره الألماني ماكس أوبنهايم وأجرى فيه بعض التحريات الأثرية. وفي عام 1955 قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بالتعاون مع بعثة فرنسية بإدراة لوفري بأعمال التنقيب الأثري في الموقع، ثم تابعت الأعمال بعثة ألمانية بإدارة أنطون مورتغات منذ سنة 1958 ولمدة سبع سنوات، وجددت البعثة أعمالها بين عامي 1982 – 1985 حيث أدارها كل من مورتغات وكورينس ، وبدءاً من سنة 1986 تابع ف. أورثمان التنقيب في الموقع، ليتابع بعده يان- فالكه ماير – بدءاً من سنة 1998- أعمال التنقيب التي استمرت حتى 2010.
وأثبت الفخار المكتشف في الأسبار العميقة التي أجريت في عدد من قطاعات التل أن أقدم استيطان فيه يعود إلى العصر الحجري الحديث والعصر الحجري النحاسي، فيما تعود أقدم المباني الأثرية في الموقع إلى العصر الحجري النحاسي المتأخر. وهناك طبقات أثرية أخرى تعود إلى العصر البرونزي المبكر من I حتى 3100 – 2200ق.م تليها فترة انقطاع مع بداية العصر الأكادي، ليعاد السكن فيه من جديد منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، أما آخر فترة استيطان فتعود إلى العصر الآشوري الوسيط (القرن الثالث عشر قبل الميلاد).
المعبد الصغير
تعد فترة استيطان العصر البرونزي المبكر هي الأهم والأطول في تاريخ الموقع، فبعد تأسيس المدينة المرتفعة مع نهاية الألف الرابع قبل الميلاد وفق المخطط الدائري توسعت المدينة لتصل إلى أقصى مساحة لها خلال الفترة الواقعة بين 2700 و2500 قبل الميلاد، في حين نشأت المدينة السفلى لاحقاً (منتصف الألف الثالث ق.م) حول المدينة المرتفعة، وتم بناء سور خارجي ضخم لها قُدِّر عدد قطع اللبن المستخدمة في بنائه نحو 30 مليون لبنة، وبهذا فهو يعد من أضخم الأسوار المعروفة من هذا العصر في منطقة المشرق العربي القديم. أخذت المدينة الشكل الإكليلي بعد إنشاء المدينة السفلى مع سورها ولم تنشأ هكذا وفق تخطيط مسبق.
أظهر المسح الجيوفيزيائي الذي أجري للتل شوارعَ دائرية وشعاعية الشكل؛ إذ يحيط بمرتفع التل شوارع دائرية تتفرع منها شوارع مستقيمة باتجاه جميع أنحاء المدينة، يستمر بعض هذه الشوارع حتى سور المدينة الخارجي.
وتم الكشف في المدينة المرتفعة العائدة إلى هذه الفترة عن مجموعة من المنشآت تتضمن عدداً من المعابد والأبنية العامة التي لم تعرف وظيفة بعضها، وبقايا القصرF ، وعدداً من المنازل السكنية التي شغلت مساحة واسعة من الموقع.
وقد تم تجديد بناء المعبد وتوسيعه لتبلغ مساحته أربعة أضعاف المعبد الأصلي. عثر في الطرف الغربي للمعبد على 155 من سدادات الجرار الطينية، على بعضها طبعات أختام تحمل أحياناً بعض الزخارف، أغلب مشاهدها أشكال حيوانية منها العجل والأسد والعقرب والماعز وحيوان خرافي يشبه التنين يتألف من حية وأسد، وهناك مشاهد زهور وأشكال لآلهة وبشر تحمي الحيوانات الأليفة. كما عثر على ثلاثة تماثيل صغيرة من حجر الألباستر لرجال واقفين يرتدون ثياباً طويلة في هيئة التعبد، علاوة على قطعتين برونزيتين مجسمتين تمثلان طائراً جارحاً بالحجم الطبيعي، طول كل جناح فيهما ١.٢٥م. كما عثر على رقيمين مسماريّين مكتوبين بالأكادية، ولكنهما غير واضحين ومن الصعب قراءتهما. ويمكن القول إن اللقى في هذا المعبد تحمل خصائص عصر فجر السلالات، وهي تتشابه مع قطع أخرى اكتشفت في مواقع أخرى معاصرة مثل خفاجة وماري.
المعبد الشمالي: كُشف عنه في الجهة الشمالية من المدينة المرتفعة، متاخماً للسور، مدخله الرئيس له درجات توصل إلى حجرة العبادة الكبيرة وبعمقها توجد دكة العبادة، وعلى يسار المدخل هناك مصطبة ربما كانت المذبح. عثر في هذا المعبد على ما يمكن أن يكون مشغلاً لتصنيع الدمى الطينية، حيث وجدت فيه أعداد كبيرة تمثل إناثاً وطيوراً وحيوانات.
المعبد الخارجي: تشير تسميته إلى وقوعه خارج أسوار المدينة، وهو مشابه للمعبد الشمالي، أبعاده ٢٦×١٣م. وجدت بجواره مجموعة من المنشآت الأخرى منها طريق مرصوفة تمتد من بوابة المدينة إلى المعبد، تبلغ طولها نحو ٧٠م، وعلى جانبي الطريق دعامات ترتفع حتى ٢-٣م.
الأبنية الحجرية: اكتشف في تل خويرة ستة أبنية حجرية اصطلح على تسميتها بهذا الاسم steinbau لعدم معرفة وظائف معظمها. البناء الأول ذو شكل مستطيل أبعاده 25× 10م وحجارته متناسقة ومرتبة فوق بعضها، أظهر التحري الجيوفيزيائي الذي جرى للتل؛ إحاطة هذا البناء بسور، في حين يقوم قربه بناء ضخم آخر. أما البناء الثالث فهو يتألف من درج حجري بقي منه فقط 14 درجة يوصل إلى جدار طوله 22م وارتفاعه 5م، وله مصطبة من الحجر أبعادها 16×١٤م. أما البناء الرابع فهو يشبه إلى حد كبير أبنية المعابد في الموقع، لكن عدم العثور على تجهيزات شعائر العبادة داخله أبعد فرضية أن يكون معبداً. في حين يقوم البناء الخامس غربي التل، وهو ذو مخطط مربع الشكل طول ضلعه ٣٠متراً، تدل اللقى التي عثر عليها فيه على أنه كان مخصصاً للسكن العادي مع أنه لا يشبه البيوت المعروفة في الموقع.
البيوت: وجدت بقايا أبنية البيوت في جنوب شرقي المدينة المرتفعة على مقربة من السور، لا يوجد ما يشابهها سوى البيوت المكتشفة في موقع خراب سيار المجاور، وهي الأمثلة الأولى لنماذج البيوت الخاصة الكبيرة والواسعة التي استمر وجودها في تل خويرة منذ أوائل عصر فجر السلالات حتى بداية العصر الأكادي. وقد تم الكشف عن نحو ٢٩ بيتاً بنيت على جوانب أحد الشوارع المتجهة من الشمال إلى الجنوب تفصلها عن بعضها جدران من اللبن، كان بعضها يزود بالمياه عبر أنابيب فخارية تصل من الشارع إلى الباحة، وهي متشابهة بمخططها العام فتضم باحة داخلية يحيط بها خمس أو ست حجرات، لكنها تنفرد في تقسيماتها الداخلية، ومن ذلك وجود مساحة فيها تدل على ممارسة عبادة منزلية على شكل مصليات؛ مما يشير إلى المكانة الاجتماعية الرفيعة لمالكيها. عثر تحت أرضيات عدد من هذه البيوت على بعض حالات الدفن النادرة في الموقع، والتي ربما كانت تخص مؤسسي هذه البيوت في إشارة واضحة إلى عبادة تقديس الأسلاف. كما تم العثور في بعض البيوت على العديد من الدمى الطينية ومجسماً لعربة فخارية، وأختام أسطوانية.
القصر: تم الكشف عن بقايا القصر F في الجهة الغربية من المدينة المرتفعة؛ و هو ذو مخطط جديد بتفصيلاته، ويعد من أوائل القصور في المنطقة خلال العصر البرونزي المبكر، له شكل مستطيل أبعاده 66×45م، يتألف من بناءين كبيرين في الجهة الشرقية، كشف في الجهة الجنوبية عن صف من الغرف تنفتح أحياناً على بعضها.
الأختام: تم العثور على مئات أغطية الأباريق من بينها 140 غطاء عليه طبعات أختام، كما عثر على مجموعة من الأختام الأسطوانية وصل عددها إلى 15ختماً، وعلى عدد مماثل من الأختام المسطحة، وجميعها مصنوعة من الحجر الكلسي؛ يعود تأريخها إلى العصر البرونزي المبكر، ما عدا ختمين يعودان إلى فترة جمدة نصر، وتظهر أشكال الأختام تشابهاً واضحاً مع أختام منطقة ديالى في العراق. ومن المكتشفات الأخرى قطعة من الرخام نقش عليها مشهد تظهر فيه سبع إلهات جالسات على منصة ويصاحبهن أولاد وحيوانات محمولة بالأذرع.
الفخار: تم تحديد أربعة أنماط من الفخار، ثلاثة منها مصنعة باستخدام الدولاب، أما الرابع فمصنع يدوياً. تشمل الأولى الصحون والجرار، ونوعاً من الفخار ألوانه رمادية- سوداء، يشابه فخار تل براك ومواقع بلاد الرافدين. أما النوع اليدوي فقد تميز بسماكته ولونه البني والأحمر، ويشمل قدور الطبخ ذات القواعد المستديرة. وجد هذا النوع من الفخار في مواقع أخرى مثل تل جدلة وكركميش ومواقع سهل العمق. كما عثر على مصنوعات خزفية هي الأولى من نوعها مثل رأس الصولجان الذي يدل على مهارة الصانع.
ضم موقع تل خويرة مدينة من الألف الثالث قبل الميلاد بكامل عناصرها من معبد وقصر وبيوت خاصة وعمائر حجرية كبيرة. ولا شك في أنها احتلت مكانة مهمة في عصرها، وربما كانت مركزاً لشمالي سورية. ونظراً لندرة الوثائق الكتابية المكتشفة فلم يتم معرفة الاسم الدقيق للمدينة لكن دراسة بعض النصوص المتوفرة قادت عدداً من الباحثين إلى مطابقة الموقع مع مدينة «أدمي» Admi التي وردت بصيغة «أد- مي – أم – كي» ad-mi-im-ki، لكنّ باحثين آخرين رفضوا هذا الافتراض، ورأوا أن مدينة «أدمي» أقرب إلى ماردين الحالية، مرجحين أن مدينة خويرة القديمة ليست إلا مدينة «أبارسال»Abarsal التي ورد ذكرها في نصوص إيبلا ضمن معاهدة صلح بينهما.
الفرات