كان يعد من أقدم جوامع دير الزور قبل أن يهدم في منتصف القرن العشرين، ليس له مِئذنة ولا قبة، أمويّ الطّراز، وكان يُدرِّسُ الطلابَ القراءةَ والكتابة، ارتبط اسمه بالإمام المُلا علي، كما كان يتميز بأن خطيبه يتشح السيف أثناء إلقائه الخطبة في تقليد أموي كان يتبع في هذا المسجد. ويؤكد الآثاريون أن الدور الزمني لهذه المنطقة لا يقل عن (250) عاماً.
جاءت أهمية هذا الجامع من قيمته التّاريخية، لكونه أقدم الجوامع بالدير العتيق هذا من جهة، أمّا من جهة أخرى فيأتي من أهمية الدير العتيق عموماً عند أهالي الدير حيث كان جدّي يُصلي فيه، ويقول: سمعت من والدي أنّ الجامع بني عام 1850م، وكان الملا علي هو الإمامُ والمعلمُ للطلاب الّذين كانوا يدرسون فيه القراءة والكتابة وقراءة القرآن في أواخر العصر العثماني، وهذا ما ربط اسم الملا علي بهذا المسجد منذ نهايات القرن التاسع عشر.
هذا المسجد كان يُقابل الجامع العمري ويفصل عنه دربة حارة صغيرة باتجاه الشمال، وكان له باب واحد فقط من جهة الغرب
ويشير الباحث الراحل عمر صليبي في كتابه معالم وأعلام في الجزيرة والفرات في العصر العثماني بالقول: هذا المسجد كان يُقابل الجامع العمري ويفصل عنه دربة حارة صغيرة باتجاه الشمال، وكان له باب واحد فقط من جهة الغرب.
أمَّا عن بنائه فقال صليبي: بُنِي عام 1850م، من الحجر والطين وسقف من الخشب، ولم يكن يتجاوز طوله 25م وعرضه 7 أمتار، ويخلو من القباب، وليس له مئذنة، حيث كان المُؤذِّن يقف على السطح ويؤذن، وفناء الدّار على مربع تقريباً، وله ساحة صغيرة وفيها الميضأة، أمّا المنبر فقد كان صغيراً ومصنوعاً من الخشب وقليل الارتفاع وهو من جهة واحدة وأموي الطراز، أمّا النّوافذ فكانت مصنوعةً من الخشب طولانية ومتقاربة.
يضيف: من خلال المراجع والأشخاص المعمرين الذين التقيتهم أكدوا لي أنَّ الخطيب في بدايات الأمور كان يتشح سيفاً في غمده عند الخطابة، ومن خلال بحثي عن هذه الظاهرة عرفت أن التقليد الأموي الّذي كان سائداً هو أن المساجد تمثل تاريخ فتح البلاد، فالبلد الّتي تُفتح سلماً يُبنى لها منبر من الخشب ويحمل الإمام السيف ولا يشهره أثناء الخطابة، أمّا المدن التي تُفتح حرباً فكان الخطيب يقف على المنبر شاهراً سيفه
يتابع: في نهاية العصر العثماني كان يخطب فيه يوم الجمعة الملا أحمد الشبيب والد زوجة الشيخ محمد سعيد العرفي، أمّا الخطيب الدّائم في كل الأوقات فقد كان المُلا غفور رحمه الله، والذي قام بدوره الفاعل في الوعظ وإرشاد الناس وشرح بعض المعلومات الدينية للشباب وتعليمهم أصول الدين والتفسير والإعراب للقرآن الكريم.
وبيّن الباحث عوّاد الجاسم حول الجامع بالقول: مسجد صغير كان يقع في المنطقة الغربية من الدير العتيق، وكان يجاوره من جهة الغرب دربة صغيرة يليها بيت سبع الدير الذي كان في أعلى القمة الغربية، وكان سقفه من الخشب ولم تكن فيه مئذنة أو قبة، وكان يؤذن فيه على سطح الجامع، وعندما أزيل هذا المسجد أثناء هدم الدير العتيق وجدوا إلى الجنوب منه مسجداً آخر يعود إلى العصور الإسلامية الأولى، وبعضهم قالوا إنه يعود إلى العصر الأموي بينما ادّعى آخرون إنه كنيس يهودي، ولذلك رفض المثقفون هذا الرأي لوجود المنبر فيه والمتجه نحو القبلة والمواجه لمدخل المسجد.
ويؤكد ذلك قول الشاعر محمد الفراتي:
تقول هذا الكنيس لليهود / وما وحد الله فيه مسلم أبدا
هب أنه معبد هلا احتفظت به / كيما نرى أثراً تاريخه أبدا».
يضيف: كان مؤذن الجامع في نهاية العصر العثماني يدعى الملا مشعل، أمّا إمام وخطيب الجامع في أواخر العصر العثماني أيضاً، فقد كان السيد ملا أحمد عبد الحميد الخريصي الخفاجي، والذي قد ولد في دير الزور عام 1880 م وتسلم أمور المسجد وعمره ثمانية عشر عاماً، وعُرِف بصلاحه وتقواه، ولم أسمع عنه إلا كلمة واحدة كانت تتردد على الدوام وهي رحمة الله لقد كان ذا سلوكٍ يُحتذى به.
يُذكر أن الدّير العتيق كان قائماً على تلّ اصطناعي يتألف من تراكم عدة حضارات على الضفة الشرقية لنهر الفرات، ويشكل الدير العتيق مثلثاً قائم الزاوية يطلّ على النهر من الجهة الشمالية ويمتد من الجسر العتيق حتّى قصر المحافظة سابقاً، أمّا القاعدة فتمتدّ من مقهى عصمان بيك وحتّى شارع النهر، ويشكل شارع النهر مع امتداده نحو الغرب الضلع القائم له.
الفرات