يعد القصيد شعراً خاصاً بأهل الريف، يكتب على الشكل التقليدي للقصيدة، وهو امتداد للشعر النبطي، والقصيدة في الريف تبدأ بالغزل القليل البسيط المؤثر، ثم تنتقل إلى وصف كل ما يدور من حوله فترجمت مشاعر الناس وأخلاقهم، ونقلت حزنهم، وقسوة طباعهم، فالشعر الفراتي بشقيه الحضري والريفي هو تاريخ أمة وحضارتها وفنها نما وترعرع في الفرات ليكون نهراً يضاف إلى أنهر الشعر الشعبي فتلتقي وتصب جميع هذه الأنهر الإبداعية في بحر الشعر النبطي لتعبر عن أحزانها وأفراحها بكلمات بسيطة والحان عذبة.
أما السمة الثانية من سمات الشعر الرقي فهي الحرمان، الذي يتصف بسمة من سمات الغزل العذري، حيث يشاطر الشاعر الفراتي الغزل العذري هذه السمة وربما تسمو على غيرها من سماته الأخرى كالحبيب الواحد
وقال الباحث محمد الموسى الحومد في كتابه (أحاديث على الهامش في الشعر الرقي): في تلك البادية الجافة ذات المساءات الحزينة عاش ابن الرقة، فنقل شعراء المنطقة صور طبيعتهم بحذافيرها وأخلاق أهلها، ونما وترعرع الشعر الفراتي بين أفئدة صادقة وفية ترجمت عواطفها بكلمات عشقتها الأذهان، وتمتعت بمعانيها الرائعة لبساطتها وروعتها فالأمم تعبر عن خلجات قلبها بالشعر، قبل أن تعبر عن بنات أفكارها بالنثر.
وعن أسباب السوداوية في الشعر الرقي يتحدث الشاعر محمود الذخيرة، فيقول: إن القصيدة الفراتية تتسم بالسوداوية والحزن؛ وذلك لأسباب كثيرة أهمها الاستبداد الناتج عن المغول والتتر، أما السبب الثاني فهو الطبيعة بأسرها والبادية ذاتها حيث قسوة الحياة وصعوبة العيش، وثالث تلك الأسباب حرمان البدوي وشعوره بالحاجة العاطفية إلى الألفة وحتى الحاجة المادية من خلال أشعاره التي تمتلك سمة واضحة من الحزن، ومن بين هذه الأشعار:
أويـل قلـبٍ مسـنو لواكيـع…. من زغر سني الليالي غدرني
يا دهر يا خوان مالك روابيع…. ادعيتني ما نام ليلي أعني.
وتتأجج هذه السمة في العتابا لتبدو واضحة:
لف قندوس جرحي وما شفاني…. ولا نفع بحالي ولا شفاني
يوم وداع خلي ما شوف آني…. السود من البياض من العمى».
أما المكانة البارزة بين أغراض الشعر الشعبي الرقي، فهي للغزل، حيث يقول الحومد: الشعر الرقي شعر غزلي، ومواضيعه متنوعة ضمن إطار الغزل، ولولا اللهجة التي يتكلمها أهل الرقة، والتي يصعب فهمها على الجزائري والتونسي، وربما المصري، لاحتلت هذه الأشعار منزلة عالية في الشعر العربي، حيث الصورة الجميلة والبديعة، البعيدة عن التكرار والتكلف.
ويبين الباحث في التراث الفراتي خالد الفرج: ترجم الشعر الرقي مجموعة من الأحاسيس التي يعيشها ابن الرقة خلال حياته اليومية أو نقل صورة لحادثة عاشها، وقد اختلف الباحثون حول موضع الحزن في الأغنية الفراتية أهو في الشعر أم في اللحن أم في الصوت؟ لذلك كان هناك فريق أفردها، وآخر ثناها، ومنهم من جمعها، وقد استعرض الشعر الفراتي والرقي خاصة في أغلب أبياته حزن المعاني بدءاً من القصيد مروراً بـالعتابا، والموليا، والنايل، ففي الموليا يقول:
العين جفت دمع مذروفها من الدم…. كدرني جور الهوى من صباي زاد الهم
احتسيت مر العمر جرعات دفلى وسم…. سافن جناب الدليل وعن مساميه.
ويتابع الفرج بالقول: أما السمة الثانية من سمات الشعر الرقي فهي الحرمان، الذي يتصف بسمة من سمات الغزل العذري، حيث يشاطر الشاعر الفراتي الغزل العذري هذه السمة وربما تسمو على غيرها من سماته الأخرى كالحبيب الواحد.
لي هاج بحر الهوى الزين ملاح…. حتى العذيمي يتباهى حين مالاح
اركض وراهن واصيح ملاح يا ملاح…. كلجن حوارم ترى من غيرها هيّه
ماكدر على وصولها لا آني ولا نجودي…. همي رحل ما يشيلوه هديب شرجيه».
كما يمتاز الشعر الفراتي بالفخر فهو ملح الشعر، ومن ميزاته في الشعر الشعبي الرقي الغيرية والابتعاد عن الأنا، يستخدم الشاعر الرقي كلمة هلي وإحنا، وقد حاول شعراء الرقة الشعبيون الابتعاد عن استخدام كلمة هلي في بداية أشعارهم، خشية أن تنسب هذه الأشعار إلى الشاعر عبد الله الفاضل، الذي أبدع في هذا الجانب، وكثر الفخر في لون العتابا والقصيد، وانعدم في النايل، والسويحلي، واللكاحي، بينما ظهر في الموليا، لكونها ذات مواضيع متنوعة.
كبار الباس أهلنا من جدينا…. ولا نزعل من الماهم من جدينا
الناس النجـم واحنا الجدينا…. وجثير من النجم عـلا وغاب