الكمأة بين العلم والتراث 

 

الكمأة :فطر من الفصيلة الكمئية ، وهي أرضية ، تجنى وتؤكل مطبوخة .ولا تؤكل نيئة ؛ لأنها تسبب عسر الهضم . وهذا اللفظ يأتي للجمع و للواحد .

تصنف الكمأة مع النباتات ، و ربما تكون  النبتة الوحيدة التي لم يتمكن العلم من الحصول على بذرة لها  ؛ لذلك لم تنجح زراعتها كبقية الفطور والنباتات، فهي هدية من الله وإشارة إلى قدرته ((كن فيكون)).

و التساؤل الذي يطرح نفسه . لماذا لا نجدها في كل المواسم ؟ هذا التساؤل قد حير العلماء كثيرا ؛ لكنهم وجدوا ترابطا بين وجودها وبين نزول الأمطار مبكرا فعزوها لهذا السبب . لكن بعضهم قد دحضوا  دور المطر فيها مستندين إلى أنها لا تنبت لو سقيت البادية بالماء في الأوقات التي يعد فيها المطر مبكرا . ومن هنا عزاها بعضهم  للبرق أو للرعد كونهما مصاحبين للمطر .أما الرعد فقد جزم به الكثيرون ؛ حتى أنهم أطلقوا عليها اسم بنت الرعد .

كيفية تكوّن الكمأ : يقول أهل العلم :

عندما تحدث الشرارة الكهربائية أي البرق يتحد غازا النيتروجين والهيدروجين الموجودان في الجو ، فيتكون مركب أميني ينزل إلى الأرض ويصبح يدور بحركة سريعة يجمع فيها الأملاح والمعادن الموجودة في التربة مكونًا هذه الدرنات باهظة الثمن … يعني لا بذور ولا جذور ، بل عقد نيتروجينية فطرية.

– فوائدها :

تحوي على كمية كبيرة من البروتين فهي تعادل اللحم من ناحية المحتوى والفائدة والطعم . و يستفاد منها في علاج اضطرابات الرؤيا ودفع نزول الماء من العين ، وتنفع في علاج هشاشة العظام والأظافر.

أسماؤها و أنواعها :

يطلق عليها في بعض البلدان اسم الترفاس و الفقع نسبة إلى حالة بروزها في الأرض . أما أنواعها المشهورة فنذكر منها :

– الحرقة  وهي الملساء ذات اللون الأسود وهذا النوع أطيب في المذاق وأسهل في التخلص من الرمل .

– الزبيدي وهي ذات اللون الأبيض تمتاز بضخامتها ؛ لكن تنظيفها صعب لكثرة تخرشاتها و فطورها .

– الشيوخ : وهي الكبيرة الحجم .

– الهبري : وهو من أنواعها الرديئة الرخوة الصغيرة الحجم .

طريقة تناولها :

لا بد من سلقها أولا حتى النضج والكثيرون يفضلون تناولها مسلوقة حتى لا تطغى عليها نكهات الأطعمة الأخرى .

ومن الوصايا والنصائح التي يتناقلها الناس :

– عدم تناول الكمأة المسلوقة وهي حارّة ؛ لأنها تؤثر على الجهاز الهضمي .

-ضرورة تنظيفها جيدا من الرمل ؛ لأنها قد تحرك الرمل الكامن في المجاري .

والكمأة أشبه ما تكون بالبطاطا من حيث قبولها للحم والبيض والمرقة الصفراء و الدجاج والبرغل والرز و…

وهي قابلة للحفظ فيمكن تعليبها أو تجفيفها أو وضعها في الثلاجات. ولكن يجب الحذر من الكمأة القديمة ؛ لأنها تتعرض  لغزو الديدان إذا طال عليها الزمن .

ومن الطرائف أن أحد المصريين أعجب بها فأخذها من سورية إلى مصر ؛ لكنهم لم يعرفوا كيف يتعاملون معها فأعادها بعد شهر وفي نيته أن يردها إلى البائع وحتما لم يخطر في باله أن الدود قد صار يشمر فيها شمرا .

الكمأة والتجارة :

يباع منها كميات كبيرة ؛أما أسعارها فتكون وفق قانون العرض والطلب وبالرغم من غلاء سعرها وندرتها وإقبال الناس عليها ، ظلت الآراء متباينة في لذة طعمها : لكن الغالبية تؤكد أن ندرتها هي التي أعطتها هذا الزخم.

– الكمأة في التراث:

ورد ذكرها في حديث نبوي شريف ( الكمأة من المن و ماؤها شفاء للعين ) يشير الحديث بأن ماءها جلاء للعين . ومن المواقف التي تدل على مصداقية الحديث و التي ما زلت أذكرها في طفولتي التي قضيتها في حوايج الميادين عندما قامت جارتنا حبابة أمينة العلي العيد الطلاع  بقطر عيني زوجها الخال جراد الرسان، فلا تزال كلماتهما ترن في أذني كلما روي حديث النبي في جلاء الكمأة للعين . قال لها بعد أن قطرت عينيه : (يول أمينة صرت أشوف زين ، فقالت له : شافك الخير صحيح عاد) .

أما كيفية قطر العين من الكمأة فقد قيل بأنها يجب أن تشوى جيدا ثم يسحب منها الماء ويقطر في العين .

ولم يغفل الموروث الشعبي الغنائي ذكرها ؛ لأن الخروج الجماعي  لالتقاطها فرصة لتلاقي العشاق في أفق طلق وأجواء ربيعية خلابة . ولعل ذلك هو الذي حدا بالشاعر أن يندل درب ( الجما) بالرغم من أنه ليس من أصحاب هذه المهنة . وربما سمعنا جميعا المطرب الكببر سعدون جابر وهو يصدح بصوته العذب بكلمات هذا الشاعر  (جماي ماني جماي درب الجما اندليته والله هواه يعذب حتى العمر سليتو ) .

أما في مجال التسالي فقد قالوا فيها ملغزين : (بقرة بالهوش والهوش غاشيها مدقدقة من اللحم وعظام ما فيها ) .

ولم تنج الكمأة من الخرافات التي سادت في عصور التخلف ، فقد ربطت الخرافة كثرة وجود الكمأة بكثرة انتشار الموت .

ومهما قيل في شأنها ، نظل بسبب ندرتها نتلقف أخبارها  ونتفنن في طرق تناولها و نحفظ آخر تاريخ شرفتنا فيه بقدومها .

  حميد النجم

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار