شعر الرقة النبطي.. وحدة حال مع البادية العربية

 

الرقة تلك المدينة المترامية الأطراف على ذاك النهر العظيم؛ جادت قريحة شعرائها بأنواع عديدة من الشعر النبطي الذي يقرضه بداوة العرب في جميع البوادي العربية، حافظت على عروبتها بكل ما احتوته من فنون وآداب، هو أصدق تعبير عن واقع الإنسان ومشاعره وحياته، وسبب تسميته النبطي لأن العرب استنبطوا هذا الشعر من لهجاتهم المحلية، ليعبروا عن مشاعرهم، وآمالهم، ومشكلاتهم، وأفراحهم وأحزانهم، وكل ما يدور حولهم، يقول أحد شعراء الشعر النبطي شاكياً غدر الزمان:

ومع أنه منظوم باللهجة المحكية إلا أنه يكثر فيه الاعتماد على مفردات فصيحة، والواقع أن الاختلاف الجوهري بينه وبين الشعر الفصيح يكمن في التخلي عن علامات الإعراب في أواخر الكلمات ونطق بعض الحروف، وليس في التراكيب والصرف والمفردات التي لا تزال تشبه الفصحى إلى حد كبير ويكتب الرقيون لوناً منه، ولا يتقيدون بقافية الشطر الأول:

علامَ تحيد عن دربي علام… أريد أنسى وأودعك بالسلامه

أيا ذيب البـراري شبيـك ترزم… عجب مثلي اللي مضيعك فطامه

أويـل قلـبٍ مسـنو لواكيـع… من زغر سني الليالي غدرني

على غريرٍ كامل الزين ومطيـع… أبو عيونٍ بلحظهن يذبحنـي

شكرا الذويبة طول باعات اليبيع… مصبوغة الرجوان من غير بني

امدور الخدين بدر المطاليـــع… نجمــة الثريـا بجبينو أظني.

ويكاد يكون الشعر النبطي امتداداً لشعر العرب في الجاهلية وشعر أهل البادية في صدر الإسلام، فيكثر فيه استخدام المقدمات الغزلية التي تؤدي بعد ذلك إلى موضوع القصيدة الرئيس من فخر أو مدح أو حكمة أو نصح، أو وصف، وبدرجة أقل، الهجاء، ويكون أكثر ما يشبه الشعر القديم حين يحكي عن مفاخر القبيلة وبطولات فرسانها ووقائعهم.

ويشير الباحث في التراث الفراتي موسى الحومد في كتابه أحاديث على الهامش في الشعر الشعبي بالقول: الشعر النبطي الرقي هو وليد للشعر العربي الفصيح، وامتداد له ولا يختلف عنه إلا بحركات الإعراب وسلامة اللفظ وهو همسات للسمار، وأهازيج للفتيات الشدية، وعبرات العشاق الملوعة، وذكر لصفات الأعيان ووصف العيون ومحاسن الحسناوات مجمع الحكم والمواعظ، وينتهي الشعر النبطي على الأغلب بالحكمة كقولهم:

ما صاح حادي العيس وسط البساتين… ولا رد لله هيجيج الذود فلاح.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار