حلّ اتحاد التأمين بين ضرورة الإصلاح ومخاطر إعادة إنتاج الخلل

وأخيرًا، وبعد سنوات طويلة من الانتظار، صدر قرار السيد وزير المالية، بصفته رئيس مجلس إدارة هيئة الإشراف على التأمين، القاضي بحلّ الاتحاد السوري لشركات التأمين واتحاد وكلاء ووسطاء التأمين بتاريخ 12 كانون الأول 2025، في ظل غياب مجلس إدارة فاعل لهيئة الإشراف. وهو قرار لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق العام لأداء قطاع التأمين خلال العقود الماضية.

من الناحية النظرية، أُحدث الاتحاد ليكون إطارًا جامعًا ينسّق بين شركات التأمين، ويقود عملية تطوير السوق، ويشكّل صوتًا مهنيًا مستقلًا يمثل مصالح القطاع أمام الجهات التنظيمية. إلا أن الممارسة الفعلية أظهرت ابتعاد الاتحاد تدريجيًا عن هذه الأهداف، وتحوله إلى كيان شكلي تآكلت استقلاليته، وغابت عنه الحوكمة الرشيدة، وسادت فيه الشخصنة والولاءات على حساب الكفاءة.

خلال سنواته الأخيرة، خضع الاتحاد بشكل متزايد لهيمنة هيئة الإشراف على التأمين، التي تجاوزت دورها الرقابي إلى التدخل المباشر في القرارات والتعيينات، ما أفقد الاتحاد دوره كمظلة تمثيلية، وحوّله إلى ذراع تنفيذية لسياسات مفروضة من خارج بنيته المؤسسية.

وترافق ذلك مع تراجع واضح في الدور الفني والتنموي، وغياب الدراسات الاستراتيجية، وضعف مواكبة التحولات التشريعية والرقمية، فضلًا عن ممارسات توظيف ورواتب غير شفافة أثارت استياء عدد من الشركات.

من هذا المنطلق، يمكن النظر إلى قرار الحلّ كخطوة تحمل إيجابيات محتملة، أبرزها كسر حالة الجمود والترهل، وفتح الباب أمام إعادة بناء قطاع التأمين على أسس أكثر حداثة، بما يعزز دوره في الاقتصاد الوطني، خاصة في مجالات التأمين الصحي والهندسي ودعم إعادة الإعمار.

لكن في المقابل، لا تخلو الخطوة من مخاطر، في مقدمتها احتمال خلق فراغ تمثيلي، وتعزيز مركزية القرار بيد الوزارة وهيئة الإشراف، إضافة إلى خطر إعادة إنتاج النموذج السابق بأسماء جديدة، إذا لم تُرفق هذه الخطوة بإصلاحات حقيقية، وآليات شفافة للانتخاب والتعيين، وحوار جاد مع الفاعلين الحقيقيين في سوق التأمين.

إن نجاح هذه الخطوة لا يُقاس بقرار الحلّ بحد ذاته، بل بما سيتبعه من إجراءات إصلاحية عميقة تضمن استقلالية التمثيل، وتعزز الثقة، وتضع قطاع التأمين على مسار مهني وتنموي مستدام.

د.هشام ديواني
باحث في شؤون التأمين

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار