القيم والرسائل التي يفترض أن تعكسها الدراما لترسيخ الهوية الوطنية في ثاني أيام ورشة عمل الدراما السورية
حملت ورشة العمل (الدراما السورية.. صناعة فكر ومسؤولية مجتمعية) التي أقامتها وزارة الإعلام ولجنة صناعة السينما والتلفزيون في فندق الشام بدمشق في يومها الثاني مضامين تصب في محتوى الدراما والقيم والرسائل التي يفترض أن تعكسها في ترسيخ الهوية الوطنية.
وناقشت الورشة في جلساتها التي أدارها الدكتور أكرم القش ورقة عمل قدمها المدير العام للمؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي أحمد الخضر بعنوان (دور القطاع العام في صناعة الدراما الوطنية) تحدث فيها عما قامت به الدولة السورية من اهتمام بالدراما وإعطائها الأولوية لتكون صورة الوطن في الداخل والخارج ومجابهة ما تسمى القوة الناعمة في الغزو الفكري من خلال تحويل الأعمال التلفزيونية إلى صناعة درامية دخلت حيز المنافسة مع الدراما العربية وغرست في وجدان المتلقي العربي.
وأوضح الخضر أن المؤسسة أنشئت لتكون داعماً وصمام أمان للدراميين السوريين وحققت نجاحاً على مستوى الساحة العربية إلا أن المتغيرات الدولية والاقتصادية والمقاطعة الخارجية أثرت على عملها ما بين عامي 2013 و2016 ورغم ذلك انتجت أعمالاً متميزة مبيناً أن من أهم متطلبات عودة المؤسسة إلى إنتاجها المتميز هو الدعم المالي والفكر التشاركي مع القطاع الخاص إن كان على الصعيد المالي أو التسويقي أو المعرفي بشرط تقديم محتوى ذي كفاءة عالية.
وأكد أن المؤسسة بكل ما تملكه من معدات وتقنيات لوجستية ستكون في خدمة العملية الدرامية السورية في سبيل استعادة الريادة للدراما السورية على مستوى الساحة العربية وخاصة أننا أمام منافسة قوية في هذا المجال.
الورقة الثانية قدمتها الدكتورة نهلة عيسى حملت عنوان (المشروطية الاجتماعية للدراما التلفزيونية السورية) أوضحت فيها أهمية الدراما السورية ضمن المجتمع كونها صناعة بحد ذاتها فالجانب المادي له تأثير عليها مبينة أنه عند الحديث عن الأرقام الفلكية فيها سنبتعد عن الحديث بمنطق المجتمع والأمة وسنكون بعيدين عن كلمة الصناعة وبها ننتقل إلى مفهوم دكاكين الإنتاج.
وأكدت ضرورة التركيز على حجم الإنتاج ونوعه ليس فقط حجم الأموال المصروفة فيه فأساس وجود مثل هذه الأرقام في الإنتاجات الدرامية في وقتنا الحالي هو التضخم لافتة إلى أن الدراما السورية تعيش أزمة وتحتاج إلى استراتيجية ومعايير ومأسسة ونهضة حقيقية بعيداً عن الشق الإجرائي المالي والقانوني.
وبالحديث عن أهم القضايا التي تجعل للدراما دوراً خطيراً والذي يدفعنا للوقوف عند المحتوى وليس عند الأرقام قالت عيسى: “إن المشاهد لا يدرك مدى التعقيد الرمزي والنصي في الدراما فهي انعكاس الفكر والوعي الموجود في المجتمع حيث عكست في السنوات الأخيرة الصوت العالي للجدل الاجتماعي” مؤكدة ضرورة تشجيع ورشات الكتابة الدرامية لأنها ليست بصناعة فرد وإنما صناعة جماعية ولا بد من تحفيز الشباب على إنتاج وطرح أفكار جديدة بعيداً عن التكرار والابتذال.
الدكتور عماد فوزي شعيبي في ورقته (العلاقات بين المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وبين التأثيرات المحتملة للدراما على الهوية الثقافية ومصلحة الدولة العليا) ركز على الفارق ما بين النقد والانتقاد مشيراً إلى أنه يجب على منطق النقد الاعتماد على التعريف الصحيح والتدقيق بموضوعات النقد بما لا يمس بالهوية الوطنية ويشوه الحقائق المجتمعية ويبعد المشاهد عن الواقع الإيجابي والمعوقات التي تحول دون الوصول إلى أمنيات المواطن السوري.
وأضاف شعيبي: “لا يجب تقييد الفن وتكبيله أيضاً بأطر تمنعه من الإبداع فشرط الإبداع هو الحرية” موضحاً أن الفن بلا فلسفة تجمع الإبداع بالهوية الوطنية ومصلحة الدولة العليا هو فن بلا مشروع وبلا قضية جوهرية تفضي إلى الولوج إلى المستقبل النامي والمتحضر وبذلك يكون فناً بلا هوية وهو ضد الإنسان وليس لصالح بناء المجتمع.
وأوضح أن نجاح أي رسالة يعتمد بالدرجة الأولى على التغلب على الضجيج المحيط بتلك الرسالة والذي يغلب على مضمونها الحقيقي في بعض الحالات مبيناً أن رسالة الفن ترتكز على تحديد الهوية المجتمعية ضمن إطار مصلحة الدولة العليا بالتشاركية مع مصالح المواطن الشخصية.
وبينت المداخلات التي ناقش فيها المنتجون والمخرجون والنجوم والفنيون المشاكل التي تعترض جوهر عملهم والاقتراحات التي من شأنها أن تكون حلولاً لمواجهة الصعاب في عملية صناعة الدراما وتساهم في تطويرها.
وقال وزير الإعلام الدكتور بطرس حلاق في ختام الورشة: “يجب علينا السير باتجاه المأسسة لتطوير العمل الدرامي ووضع استراتيجية متطورة والأهم تنفيذ هذه الاستراتيجية وتحديد النقاط الإلزامية فيها وعلى رأسها مصلحة الدولة العليا مع مراعاة مصالح شركات الإنتاج الخاصة ما يحقق ريعاً متبادلاً للطرفين”.
وأشار الوزير حلاق إلى أهمية الوصول لخطاب عقلاني يضمن التشاركية بين القطاع الخاص والمؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي وذلك عبر الاستفادة من نقاط الضعف والقوة للطرفين وتقديم التسهيلات المتبادلة من كل جهة.
وفي مداخلته بين وزير المالية الدكتور كنان ياغي أن الموازنة العامة ترصد اعتمادات للإنتاج السينمائي بشكل سنوي مؤكداً دعم أي نشاط يحقق قيمة مضافة وموضحاً الإشكالية فيما يتعلق بالتعامل بالقطع الأجنبي حيث لا توجد قيود على تحويله وحيازته وإنما القيود المفروضة متعلقة بالتداول.
نقيب الفنانين محسن غازي قال: “إن هناك مجموعة من الفنانين هاجروا بحثاً عن فرص عمل أمام الإغراءات التي قدمت لهم على صعيد الأجر وتلبية طموحهم ومشروعهم الفني وهم ولدوا من صلب الاهتمام الذي انصب على الدراما السورية” مؤكداً ضرورة الاهتمام بالجيل الجديد ودعم المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني ورصد الإمكانيات المادية التي تساهم في تطور عملها إضافة إلى الاهتمام بتقديم تسهيلات مرتبطة بالعملية الإنتاجية والاعفاءات الضريبية وإحداث هيئة لتطوير العمل في مجال الدراما.
وكانت الورشة التي شارك فيها أهل الاختصاص من كتاب ومخرجين ومنتجين ونجوم وفنيين وإعلاميين ناقشت في جلساتها يوم أمس العلاقات التفاعلية والإشكالية بين الجهات المسؤولة عن صناعة الدراما في سورية وتأثير النص الدرامي كصناعة ثقيلة في العقل الجمعي والعقبات التي تواجه الفنيين العاملين في مجال الدراما.