في وقت لم يكن لوسائل الاتصال تلك الأهمية في نقل الحدث وانتشاره داخل المجتمع وخارجه، كانت بيوت الخبازات في دير الزور إحدى وسائل المعرفة في ذلك الوقت، والسرعة في نقل الخبر.
كانت نساء الدير في الماضي تتنافسن من ستوقد نار تنورها أولا؟ فهذا يدل على نشاطها، حيث تتسابق وتتسارع الجارات فيما بينهم في صنع العجين، ويتساعدن بكل صغيرة وكبيرة، وخاصة إذا أصابت إحداهن مناسبة، ولا يكاد يخلو منزل ديري من وجود التنور، أما اليوم فقد أمسى التنور إحدى مفردات التراث التقليدي العريق لأهالي دير الزور
وما يميز الرغيف الديري أو التنور كما يسميه أهل الدير كما شرح الباحث عباس طبال بالقول: يتميز الرغيف الفراتي بأنه مصنوع بكل مراحله بالطرق اليدوية فمن زراعته إلى حصاده حتى وصوله إلى المنزل، حيث لا يزال بعض بيوت الريف تطحن الحبوب بواسطة الرحى وتغربله بغربال خاص، ثم تقوم بعجنه وتقطيعه ورقه حتى يصبح رغيفاً قبل أن توضعه في التنور ليصبح رغيفاً.
وهناك نوع من الخبز مختص به أهل الدير حدثنا عنه صاحب أحد التنانير في دير الزور السيد عبد الناصر عزاوي فقال: هناك نوع من خبز التنور يثقب من الوسط ويسمى جعيجة ويذر على وجهها الحوائج وهي مؤلفة من خمسة أنواع يانسون – حبة بركة- كمون- شمرا- شومر وهذه الحوايج لها فؤائد طبية جمة.
الباحث نوري علاوي قال: كانت بيئتنا الفراتية بعيدة نوعاً ما عن الحضارة وتأثيراتها وكانت بيوت الدير ريفاً ومدينة لا تخلو من رحى لطحن الحبوب وتنوراً لصنع الخبز وكانت السوالف والأخبار ورواية الحوادث تدور كما تدور ( حجرة الرحى) فوق أختها وكانت هناك روابط أسرية وعلاقات اجتماعية تتواصل من خلال المشاركة طحن الحبوب ونخله وعجنه وتقطيع العجين ورقه وخبز الخبز فكم من جارة تناوبت وجاراتها على تنور واحد فكان خبز التنور طقساً اجتماعيا تشاركياً.
ويضيف علاوي: كان لخبز التنور هالة روحية تتجسد في تحلق الأطفال حوله مترقبين خروج أول رغيف مستنشقين عبقه تلك الرائحة التي لا تقاوم وكم من عابر سبيل أو خاوي بطن نال نصيبه من الخبز.
كما التقينا الباحث التراثي عيسى الحمد والذي يقول: التنور في دير الزور يدل على التواصل الاجتماعي، والود والمحبة بين نساء الحي الواحد، حيث اتخذ التنور ولازال صفة اجتماعية، فكان يؤلف بين نسوة القرية حلقة من التواصل اليومي ومجلساً للنساء خاصة عندما يكون الاجتماع على الخبز غروباً حيث يعتبر محطة راحة وتسلية بعد ساعات من العمل الشاق في الزراعة ،وكذلك الأمر ذاته بالنسبة للأولاد الذين يتصارخون فرحاً عند موعد الخبز فتراهم يتراكضون أمام أمهاتهم نحو التنور.
اسماعيل النجم