تتزين الأحياء والبيوت والقرى والساحات بصورهم وبعبارات الوفاء لتضحياتهم.. إنهم شهداء الوطن وصناع النصر ومن خلفهم أمهات تعجز الحروف عن وصف صبرهن وتضحياتهن ويجف مداد الفكر خشوعاً أمام عطائهن.
في ذكرى أنبل بني البشر.. مراسلة سانا في طرطوس وفي منطقة الشيخ بدر بالتحديد زارت بيوتا أنجبت الأبطال الغر الميامين وقدمت أبناءها قرابين في سبيل الوطن فكانت لها وقفة مع حكايات الاحتساب والصبر تلخص بعضاً من معانيها السيدة حسيبة أمجد سلامة من قرية المزرعة بريف الشيخ بدر وهي زوجة شهيد وأم لشهيدين وتعتبر أن للتاريخ حضوراً وسورية الأم تستحق أن يخوض أبناؤها معارك البطولة لأجلها ولهذا استقبلت ابنها راقي إسماعيل بالزغاريد حين زف إليها عام 2012 شهيداً من جبهات القتال في مدينة ادلب.
وتضيف أم الشهيدين: “كان لي موعد آخر مع العزة والفخر بعد ثلاث سنوات من استشهاد ابني الاول ليرتقي ابني الثاني ابراهيم شهيداً في عام 2015 في خناصر بمحافظة حلب”.
وبكل فخر وكبرياء تقول حسيبة: “لم أصح من صدمتي حتى امتحنني الله باختبار ثالث ..فالصبر هو حسن تقبل الأقدار فاحتسبت ولدي شهيدين لأودع زوجي وحيد اسماعيل أبو عزام شهيداً ثالثاً في الرقة” معتبرة أن “ما تعيشه بلادنا اليوم من كرامة ورفعة يعتبر منة وفضلاً من الله أولا وبسبب التضحيات ودماء الشهداء الأبرار ثانياً”.
ومن قرية درتي في الشيخ بدر تروي السيدة وداد يوسف حسن قصة اختطافها مع زوجها عام 2013 في منطقة المعضمية بريف دمشق..”خلال هذه الفترة الأليمة راودني إحساس غريب جدا بأنني سأفقد أحد أبنائي وبعد أن تم تحريرنا بنحو خمسة أشهر تقريباً التقيت ابني منهل وسألته عن أخوته وخاصة عبد اللطيف وعندها انهمرت دموعه باكيا واحتضنني وأخبرني بأن أخاه استشهد في معرة النعمان بإدلب”.
وبكلمات مغلفة بغصة وحزن وعينين ملأتهما الدموع تصف السيدة وداد ألم الفراق .. “كنت أظن أن صراخي سيصل إلى مسامع كل بيوت سورية بسبب شعوري بالفاجعة التي أصابتني وبعد أقل من سنتين زف إلي ولدي الثاني مهند شهيداً في عام 2015 لكن سرعان ما تبدل الإحساس بالفاجعة إلى الشعور بالعزة والفخر لأنني قدمت أبنائي قرباناً لسورية”.
وأكد أحمد حسن والد الشهيدين زوج وداد يوسف أن سورية تستحق منا كل التضحية والفداء مضيفاً: “نحن أبناؤها ويجب علينا وحدنا الحفاظ عليها وأي تضحية هي قليلة في سبيل طهارة أرضها” مبيناً أن جرحه عميق جدا لكنه “ليس أكبر من جروح سورية الأم ..فعلينا أن ندمل جراحها ونقدم الغالي والرخيص في سبيلها”.
حكاية صمود أخرى ترويها السيدة سهيلة علي العجي من قرية المريقب بطرطوس مستذكرة قصة حصار ابنها بنيان ونوس بمشفى الكندي في مدينة حلب …. “قضى ابني ورفاقه في مشفى الكندي شهوراً يعانون قساوة الحصار ورغم كل الصعوبات ومحاولات الإرهابيين اقتحام المشفى صمد أبطالها وحرسوا أسوارها لأشهر بثبات ورسوخ ..وبعد حصار دام حوالي تسعة أشهر تم تدمير مشفى الكندي باطنان من المتفجرات ووقع بنيان أسيراً بيد الإرهابيين بعد إصابته مع عدد من رفاقه ليقوم الإرهابيون بإعدامهم رمياً بالرصاص وظل جثمانه الطاهر هناك”.
وبغصة وحرقة الفراق أيضاً تعود العجي بذاكرتها للحظات قاسية مرت بها عند إخبارها باستشهاد ولدها مع عشرة آخرين من رفاقه قائلة: “أحد عشر كوكباً صعدوا إلى السماء بكبرياء الرجولة وعظمة الشهادة وقهروا مرارة الموت بصلابتهم..وحولوا نار الإرهاب إلى برد وسلامة على سورية”.
أيام قاسية عاشتها سهيلة لكنها ممزوجة بالفخر والاعتزاز بشهادة ابنها رغم ألم الفراق الكبير إلا أنها تكابر على الوجع بالصبر وتتابع حديثها وهي تنظر طويلاً لصورة معلقة على جدار يطل منها وجه ابنها باسما ودموعها تلاقي سبيلها إلى خديها..”هذا كل ما بقي لي من ابني بنيان..صورة وذكرى”.
وتوجه سهيلة اليوم في عيد الشهداء رسالتها لجميع الأمهات قائلة: “نحن الأمهات أنجبن رجالاً غراً ميامين… نحن ضحينا بهم لتكون دماؤهم الزكية عنوان الانتصار والسور الذي يحمي الوطن.. فلنحافظ جميعاً على ذلك”.