العيون الفراتية تتكلّم ولكن بلا صوت، فتوحي إلى ما بداخل الشاعر من لهبُ الحواس، وتغزو القلوب، فهي معين الجمال، وينابيع الإلهام، يستقي منها الشعراء شعرهم، والأدباء والمفكرون أدبهم وفكرهم، هي وحيهم الذي يستلهمون، وطريقتهم التي يختارون، هي خلاصة إنسانيتهم ومستودع أسرارهم.
فيقولون في غناء يا بربانه:
شفته بالحميدية… عيونه سود مجليه
يمه اش مرت بنيه… سلبت عقلي وإيمانه.
وفي غناء علسيه يقولون:
علسيه يا بو السيه… بالله ردي عليه
يوم أشوف عيونج… روحي ترجع عليه.
ويشير الباحث محمد الموسى الحومد في كتابه (أحاديث على الهامش في الشعر) قائلاً: يرى شعراء الفرات في العيون مكمناً للجمال وسحر للقلوب، ولذلك حظيت العيون بنصيب كبير من الشعر الفراتي، سواء أكان ذلك في القصيد أم العتابا أم الموليا أم النايل أم اللكاحي، فقد رآها شاعر القصيد مكحلة واسعة يعلوها حاجبان كخطوط القلم:
امزوق العينين رعل الروابيع… خطوط القلم من فوقهن يناجي
امــدور الخدين بدر المطاليــع… نجم الثريـــا بجبينو أظن.
أما شعراء الموليا فقد أولوا العيون أهمية بالغة حيث أخذت مكان الصدارة بين أوصاف الحبيب، فهي قاتلة كطلقات البندقية تارة:
عيونو فشك ماطلي موزر ومد ابها… عيون ما تشوف الولف عود الرمد ابها
لضرب فجوج الفلا بالليل والوبها… مثل مغلوث نتزع شوفو عن المية.
وذابحة تارة أخرى:
بعد ما بان الفجر الغر صابحني… ونسلهمت عينها بالهدب تذبحني
من بعد هرج الغلط سامحنـــي… لانت المسامح ولالك بالغدر شيه.
أما شاعر النايل فيرى عيني الحبيب كعيني الغزالة الضامرة في شهر تموز:
الطول كله رقبة والصدر كله حروز… والعين عين الغزالة الضامرة بتموز.
وفي لون اللكاحي يرى الشاعر حبيبته كغزالة ضامرة وقد كحلت عينيها:
لاعن عنين المكسور اللي أهلو يدارونوه… ولفي غزال مضمر ومكملات عيونه.
اسماعيل النجم