منذ حلّ بالديريين ما حل بهم من نكبات تلا بعضها بعضاً، صار رمضان يأتيهم كل عام ناقصاً طقساً من طقوسه، إرهاب عاث فساداً في الأرض، وتهجير لمن هجر وحصار على من بقي، ثم انتصار وفك للحصار، تلاه حصار عالمي على لقمة الخبز ومدفأة الشتاء.
طقوس رمضان في الدير مثل أخواتها السوريات متميزة حافلة بالبهجة، تعلق في الذاكرة من العام إلى العام الذي بعده، هكذا كانت بعدما راحت تتساقط طقساً وراء الآخر تحت مطرقة الغلاء الذي لا يرحم، راح رمضان الكريم يأتيهم كل عام منقوصاً، ففي عام فقدوا البهجة والألفة وقد تشردوا داخل الوطن وخارجه وتمزقت العوائل، وخسروا اللمة الحنون على الحصير الكبير، وفقدوا ما ملكت أيمانهم من بيوت وأرزاق.
ثم يأتي عام ويأتي رمضان منقوصاً من طقوسه الاجتماعية، فالحارة غير الحارة، والجيران غير الجيران، لا أطباق تذهب مملوءة بصنف وتعود مملوءة بصنف غيره، ولا لمة للعائلة في بيت الجد ثم الدوران بجدول محسوب فاليوم دور الخالة فلانة لتستعرض مهارتها بالطبخ، لتقول بعدها العمة علانة: (غداً دورنا).
تمر السنون العجاف كل سنة (أعجف) من التي قبلها حتى وصل الديريون مثل كل السوريين إلى رمضان ناحل شاحب الوجه مرهق مثل مستقبليه، فالإكسسوارت التي كانت إضافة يومية للمائدة أيام زمان صارت هي المائدة، تلاشت معظم الطقوس، وغادر الفرح البيوت والحارات، فلا زينة تملأ الشوارع، ولا ضيافات المحلات موضوعة في واجهاتها، وراحت المائدة تتقلص كل عام عن الذي قبله، تسالي بعد الإفطار بالمكسرات والحلويات والضحكة مع شاشة التلفاز صارت نسياً منسياً، تبعتها العصائر المرطبة لصدر الصائم واجتماع الشيخين التمر الهندي وعرق السوس، ولقاء البنات اللذيذات التبولة والسلطة والفتوش، لا حلويات كما كانت ولا مقبلات ولا فواكه.
لم يعد الاستيقاظ للسحور حدثاً له ضجة، فالسحور كان متعوباً عليه، يحتاج من نساء البيت جهداً ووقتاً وحضوره لذلك إجباري، فتحول إلى حواضر توضع على المائدة مثله مثل عشاء الأيام العادية الخفيف، وسيدات الطعام الديري غبن عن مكانهن على مائدة الإفطار غياباً مبرراً فالكبسة معذورة مثلها مثل الباميا باللحم بعظمه !!
موائد شاحبة، وجلوس أمام شاشات سوداء لا تأتيها الكهرباء إلا بغتة، راح هم اليوم وبدأ التفكير بهم غد، وهل هناك مكان للبهجة في قلب من ينام على هم ويستيقظ مستعداً لهم جديد؟! رمضان كريم وسيبقى كريماً مثل سورية وشعبها، ولئن مرت أعوام عجاف فإنها لن تدوم، وطقوس رمضان ستبقى محفورة في الذاكرة حتى تتم استعادتها بحذافيرها فتعود البهجة لتملأ البيوت العامرة، كل عام والجميع بألف خير.
اسماعيل النجم