تصور الأغنية الفراتية مواضع الألم ولوعة الفراق ووداع الأحبة، ولذلك صدحت حناجر الفراتيين بمجموعة من الأغاني الشعبية بلهجة المنطقة الجافة في كل مناسبة
في تلك البادية الجافة ذات المساءات الحزينة عاش ابن الفرات بطبعه البسيط والقاسي بآن واحد.
والشعر الفراتي ترجمة لمجموعة من الأحاسيس التي تنتاب ابن الدير خلال حياته اليومية، أو نقل لصورة لحادثة عاشها.
اختلف الباحثون حول موضع الحزن في الأغنية الفراتية. أهو الشعر، أم اللحن، أم في الصوت؟
فريقٌ أفردها، وآخر ثنّاها، ومنهم من جمعها والرأي الثالث أميل إلى الصواب من غيره، فعند استعراض الشعر الفراتي نجد أن أغلب أبياته حزينة المعاني بدءاً من القصيد، مروراً بـالعتابا والموليَّا والنايل، وحتى التشاطيف وقد أرجع الباحثون والشعراء السوداوية إلى أسباب عدة.
أهمها الحروب أيام العثمانيين التي يتمت الأطفال ورملت النساء، وروعت الشعب بالمآسي، وتركت في كلِّ بيت مأتم، هذه الظروف جعلت سمة من الحزن تظهر في كل بيت شعر فراتي.
وهناك من يؤكد أن السبب الحقيقي لهذه السمة الحزينة هو الطبيعة بأسرها، والبادية ذاتها حيث قسوة الحياة وصعوبة العيش، والجفاف في بعض السنين، والفيضانات في بعض الأعوام.
أما السبب الثالث الشعور بالحاجة العاطفية وللألفة وحتى الحاجة المادية، من خلال أشعاره التي تمتلك سمة واضحة من الحزن.
يقول أحد شعراء القصيد (الشعر النبطي) شاكياً غدر الزمان:
أويل قلــــــــب مسَّنو لواكيع/ من زغر سني الليالي غدرني
يا دهر يا خوان مالك روابيع/ أدعيتني مانـــــام ليلي أعني
وتتأجج هذه السمة في العتابا لتبدو واضحة:
لف قندوس جرحي وما شفاني/ ولا نفع بحالي ولا شفاني
يـوم وداع خلـي ما شـوف آنـي/ السواد من البياض من العمى
أما في الموليّا ذات المواضيع المتنوعة، فإن هذه السمة تخبو، إلا أنها لا تختفي تماماً:
العيـن جفت دمـع مذروفهـا من الـدم/ كدَّرني جور الهوى من صباي زاد الهم
احتسيت مر العمر جرعات دفلى وسم/ سافن جناب الدليل وعن مساميَّــــــــــه
وتضفي هذه الملامح مسحة جمالية لذلك الشعر، الذي نما وترعرع بين أفئدة صادقة وفية، ترجمت عواطفها بكلمات عشقتها الأذهان، وتمتعت بمعانيها الرائعة لبساطتها وروعتها.
اسماعيل النجم