مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا لحماية إقليم دونباس ونزع السلاح الأوكراني والتي دخلت شهرها الثاني كثر الحديث حول “النازيين الجدد” و”القوميين المتطرفين” الذين يسيطرون على مفاصل الحكم في أوكرانيا وهم ذاتهم الذين حذر منهم عدد من رؤساء الدول في كلماتهم ومنهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس بشار الأسد الذي أشار إليهم بحديثه بأن الدول الغربية تدعم الإرهابيين في سورية والنازيين في أوكرانيا لكن كثيرين ما زالوا يجهلون من هم هؤلاء ومن أين أتوا؟
النازيون الجدد هم أفراد من حركة متطرفة عنصرية سياسية ايديولوجية تم وصفها بعدة مصطلحات منها “الفاشية الجديدة” أو “النازية الجديدة” كونها تتبع أهداف ومبادئ الحركة النازية القديمة التي كان منبعها من ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى ونشطت الحركة بشكل عام في الدول الأوروبية الغربية كونها توجه اهتمامها لذوي البشرة البيضاء فمن نهجها معاداة كل من هم غير ذلك من السود والآسيويين والساميين والشرق أوسطيين وفق أرشيف المحتوى الرقمي لمنظمة “واي باك مشين”.
حاولت بعض الدول مواجهة هذه الحركة وانتشارها بحظر التعبير عن أفكار تؤيد النازية إضافة إلى حظر أي شيء له علاقة برموز النازية وخاصة في ألمانيا حيث يعتبر الانتماء للنازية جريمة يعاقب عليها القانون الألماني بشدة جراء ما سببه الفكر النازي سابقا من دمار وحروب ومعاناة لسكان ألمانيا وأوروبا حسب موقع بوابة ألمانيا الإلكتروني.
في المقابل لاقت هذه الحركة دعماً من بعض الشخصيات السياسية والأحزاب من عدة دول ومعظمها بطريقة سرية فكان من مؤيديها الحزب الألماني “الوطني الاشتراكي” الذي يحرض على معاداة المهاجرين من الأتراك والعرب والأفارقة والآسيويين ويدعو لترحيلهم من ألمانيا ولذلك دعم هذه الحركة العنصرية وبدأ مؤيدو هذه الحركة ينتشرون في أوروبا حتى ظهروا في فرنسا والنمسا وهولندا وفنلندا وبلجيكا والسويد والنرويج والدنمارك وآيسلندا.
القائمون على الحركة حاولوا خلال سعيهم لزيادة وتوسيع أعداد المنضمين لها جذب المرتزقة والعاطلين عن العمل والشباب والمسرحين من الخدمة العسكرية في الدول الأوروبية لأسباب مختلفة وخريجي السجون لإغرائهم بالانضمام للحركة وتدريبهم على القتال وحرب الشوارع والترهيب والأعمال الاستفزازية.
وعلى مدى السنوات الماضية عملت بعض وكالات الأنباء الروسية والعالمية على التوعية حول خطورة هذه الحركة وتم نشر فيديوهات أظهرت طرائق الإجرام البشعة التي يستخدمها أفراد من حركة النازيين الجدد في قتلهم للأقليات لكن في المقابل كانت هناك ماكينة إعلامية غربية تحاول عكس الصورة وتغطية وإزالة هذه المعلومات.
الفكر المتطرف العنصري للنازيين الجدد أخذ بالانتشار ليمتد في بعض الأجزاء من أوروبا الشرقية بسبب المهاجرين وغيرهم فانضم له أفراد من بيلاروس واستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا وأوكرانيا وصربيا وكرواتيا وبلغاريا والتشيك وسلوفاكيا وحتى بعض وسائل الإعلام أشارت إلى وجود عناصر من مؤيديه في الكيان الإسرائيلي.
ويروج النازيون الجدد في البلاد الأوروبية لفكرة أن 70 بالمئة من الجرائم والسرقات التي تحصل هي بسبب كثرة الأجانب في بلادهم “والمقصود بهم من هم من غير الأوروبيين” أي المهاجرون من الأعراق الأخرى متذرعين بأن أي عرق آخر من غير الأوروبيين يسبب خللاً في التركيبة السكانية والنسل وعادات وتقاليد غير مرغوبة في المجتمع الأوروبي وخاصة إن كانوا مسلمين أو من دول فقيرة وأنه يجب القضاء عليهم أو محاربتهم وذلك لتبرير أهداف حركتهم وهو ما أكده مقال عن تغلغل اليمين المتطرف نشرته اكاديمية دويتشه فيله عام 2020 عند طرحها لقضية تعرض الفنانة الكوميدية الألمانية إيديل بايدر للتهديد بالقتل من قبل توقيع يحمل إشارة “إس.إس” وهو الرمز المقترن بالنازيين الجدد إضافة إلى رسائل التهديدات النازية التي اكتسحت حواسب شرطة ولاية هيسن الألمانية في ذلك العام.
روسيا وخلال السنوات الأخيرة شددت على ضرورة التنبيه لخطورة هذه الحركة وتهديدها لوجود الرعايا الروس وخاصة في “جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك” الذين تعرضوا لاستفزازات كبيرة من قبل القوميين الأوكرانيين المتطرفين وخاصة الذين ينتمون لكتيبة “آزوف” الأوكرانية التي تحمل فكر النازية الجديدة بكل سلوكها ودعواتها واشتد تحذير المسؤولين الروس من تداعيات هذه الحركة بعد عام 2014 عندما أصبح مؤيدوها في الكثير من مفاصل الحكم بأوكرانيا إلى جانب حركات قومية متطرفة كالقطاع اليميني وحزب سوفوبدا وكتيبة “آزوف” والذين انضموا لاحقاً تحت ألوية الجيش الأوكراني وفي المفاصل السياسية للبلاد وأصبح فكرهم المتطرف هو المسيطر على تصرفات سلطات كييف.
ورغم محاولة الغرب طمس هذه الحقائق وإبعاد هذه الحركات المتطرفة عن صفة النازية إلا أن الكثير من الصور التي انتشرت مؤخراً لأفراد من كتيبة “آزوف” المتطرفة وهم يرفعون شعار النازية إلى جانب شعارهم وشعار حلف الناتو تؤكد صحة هذه المعلومات حتى إن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وجهت اتهاما صريحا لكتيبة “آزوف” في عام 2016 بارتكابها جرائم وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وذلك جراء قيام مسلحي “آزوف” بزرع أسلحتهم وقواتهم في مبان مدنية وتشريدهم لسكانها ونهبهم للممتلكات كما أصدرت تقريراً عنهم نقلته وسائل الإعلام اتهم الكتيبة باغتصاب وتعذيب معتقلين في منطقة دونباس.
وأظهر فيديو نشرته سبوتنيك أمس عن عضو كتيبة “آزوف” الأوكرانية أرتيم بنوف الذي توعد سابقاً بالقتل والتمثيل بجثث الجنود المشاركين بالعملية الروسية في أوكرانيا ضمن فيديوهاته على وسائل التواصل الاجتماعي والهارب مؤخراً إلى بولندا حمله لشعار النازية في طوق على رقبته وصورة لرموز النازية وهو ما يؤكد تجسيد هذه الكتيبة اليمينية المتطرفة للفكر النازي الجديد.
وكان الرئيس فلاديمير بوتين قال في خطاب متلفز له في الـ 24 من شباط الماضي إن بعض الدول الرائدة في الناتو تدعم النازيين الجدد في أوكرانيا وإن النازيين الجدد في أوكرانيا يسعون لإشعال الحرب في شبه جزيرة القرم وأضاف: “هم بالطبع يحاولون الدخول إلى شبه جزيرة القرم وكذلك إلى دونباس بطريقتهم الخاصة من أجل قتل المواطنين العزل كما قامت عصابات القوميين الأوكرانيين (شركاء هتلر خلال الحرب الوطنية العظمى) بقتل الأبرياء العزل”.
فيما أشار الرئيس بشار الأسد خلال اتصال هاتفي مع نظيره الروسي في الـ 25 من شباط الماضي إلى أن العدو الذي يجابهه الجيشان السوري والروسي واحد ففي سورية هو تطرف وفي أوكرانيا هو نازية وأن الدول الغربية تستخدم أساليبها القذرة لدعم الإرهابيين في سورية والنازيين في أوكرانيا وفي أماكن مختلفة من العالم.