قد يكون لدى الكثير من الأشخاص استعداد لتحمل ألم أسنانهم مقابل عدم الذهاب إلى طبيب الأسنان وتلقي العلاج، حيث تشكل زيارة الطبيب أو القيام بأي معالجة مصدراً للقلق أو حتى الخوف خصوصاً عند الأطفال، بالتالي تسوء الصحة الفموية للشخص، ففي كثير من الأحيان يقوم المريض بتجنب زيارة الطبيب بالرغم من معاناته الشديدة مع الألم، أو يستمر في خلق الأعذار لتأجيل موعده مع طبيب الأسنان.
يعد الخوف أو الرهاب من طبيب الأسنان من أقوى أشكال الرهاب وأكثرها انتشاراً؛ لذلك صُنف من المشاكل الطبية النفسية الحقيقية التي تستوجب الحل عند أفراد المجتمع عموماً.
عندما نقول الخوف من طبيب الأسنان فنحن نقصد حالة التوتر والقلق التي تصيب الشخص قبل ذهابه إلى الطبيب أو حتى وهو ضمن العيادة عندما يتوقع معالجات ما أو يفكر في الألم الذي قد تحدثه إحدى الأدوات، الأمر الذي ربما يسبب للمريض ارتفاع في ضربات القلب ، تعرق راحتي اليدين وغيرها.
ويعد هذا الخوف إلى حدٍ ما أمر طبيعي لا يقف عائقاً أمام عمل الطبيب أو العناية بالصحة الفموية، لكن يتوجب على الطبيب التعامل بجدية مع هذا الخوف والعمل على تهدئته أو عدم تفاقمه على الأقل، وللعامل النفسي والثقة التي يكسبها الطبيب من مريضه دور هام في ذلك.
من جهة أخرى فإن تحول هذا الخوف إلى رهاب حقيقي من طبيب الأسنان (فوبيا Phobia) يعتبر مشكلة غاية في الأهمية تتوجب الحل، فهنا يصبح الشخص أكثر توتراً ومبالغة في ردات فعله، وقد يكون عدائياً في الحالات الشديدة، فربما يصاب الشخص بنوبة ذعر ، إلى جانب أعراض الخوف التقليدية التي سبق وذكرناها: صعوبة في التنفس ، دوار وغثيان، تبول لا إرادي، وقد تصل الأمور لفقدان الوعي تماماً (إغماء) وهذه الحالة بحاجة لحل إسعافي.
بشكل عام مهما كانت درجة الخوف من طبيب الأسنان يمكننا ردها إلى العديد من الأسباب:
التجربة السابقة المباشرة: تلعب تجارب الشخص السابقة دوراً مهماً في تحديد موقفه من زيارة طبيب الأسنان وتلقي العلاج، قد يكون في مرحلة من مراحل حياته؛ (عادة للزيارات في عمر الطفولة الدور الأكبر في تحديد ذلك) قام بزيارة الطبيب وتلقى نوعاً من العلاج تكونت لديه على إثرها فكرة سلبية ليس بسبب الألم الحاصل أثناء العلاج فحسب بل بسبب التعاطي الخاطئ للطبيب مع مريضه، كأن يعمد على إكراهه أو يبدأ بخطوات العلاج دون إخبار المريض بماذا يقوم في كل خطوة، (لذلك دور كبير في تحضير الشخص نفسياً). تجارب الآخرين: قد يكون هناك أحد من محيط العائلة أو الأصدقاء مرّ بتجربة سيئة عند طبيب الأسنان وتحدث هذه التجربة ربما بشيء من المبالغة، ذلك يسهم أيضاً في تكوين صورة سلبية عن طبيب الأسنان. التعاطي الخاطئ للأهل: كثيراً ما يستغل الأهل الخوف من طبيب الأسنان لضبط سلوك أطفالهم، حتى إن لم يكن لدى أطفالهم هذا الخوف من الأساس، فيستخدمون فكرة زيارة طبيب الأسنان كوسيلة للتخويف والضغط على الطفل، مما يؤدي إلى تعزيز الصورة السلبية لديه (كأن يقولوا له مثلاً: إذا لم تفعل كذا سآخذك إلى الطبيب ليقوم بحقنك)، إن هذا التعاطي الخاطئ مع الطفل قد يترك في نفسه أثراً سلبياً مدى الحياة. الإحساس بفقدان السيطرة: دائماً ما يشعر الشخص براحة أكبر عندما يكون كل شيء تحت سيطرته، من ناحية أخرى، يزيد العجز والجهل بما يحدث داخل فمك من إحساسك بالخوف، فأنت لا ترى ما الذي يقوم به طبيب الأسنان عندما يدخل أدواته إلى فمك، حيث تسمع أصواتها وهي تعمل فحسب، كل ذلك وأنت جالس بثبات على كرسيك لا حول لك ولا قوة، زد على ذلك أنك بمجرد أن تحاول إمالة رأسك قليلاً يأتيك صوت الطبيب ليطلب منك أن تكون أكثر ثباتاً. الخوف من الأدوات: بخلاف اختصاصات الطب الأخرى أو الأمراض الأخرى، يقوم طبيب الأسنان بتشخيص الحالة وتطبيق العلاج، فيما يقوم الطبيب العام بوصف مجموعة من الأدوية بعد الفحص، لذلك يحتاج طبيب الأسنان إلى العديد من الأدوات ومنها ما هو جراحي كالمشارط، ناهيك عن الاستخدام المتكرر لمحاقن المخدر الموضعي الكبيرة الحجم نسبياً مما قد يكون من مسببات الخوف، كما أن الجو العام للعيادة، إنارتها، ألوان جدرانها، نظافتها، رائحة المواد التي يستخدمها الطبيب أيضاً، بل حتى قد يكون للأصوات التي تصدرها الأدوات دور مهم في بناء تجربة الشخص مع طبيب الأسنان، وفي كثير من الأحيان يكون دورها سلبياً للأسف.
كما سبق وذكرنا، إن تجربة الشخص مع عملية معالجة الأسنان مرتبطة إلى حد كبير بتعاطي الطبيب مع المريض ومخاوفه، من جهة أخرى فإن الخيارات في يد الطبيب عديدة لتهدئة الخوف أو حتى علاج الرهاب، وهذه الطرق إما نفسية أو دوائية، كما يستطيع الطبيب استخدام الطريقتين معاً للحصول على أفضل النتائج:
الطرق النفسية للتخلص من الخوف:
تعتمد هذه الطرق بشكل عام على علاقة الطبيب بالمريض، وقدرة الطبيب على كسب ثقة الشخص كخطوة أولى لتهدئة مخاوفه، قد تكون بضع كلمات من الطبيب كافية لكسب الثقة، أو حتى نبرة الصوت التي تحدث بها وربما لغة جسده. التعاون لا يقوم به المريض تجاه الطبيب فحسب، على الطبيب أن يتعاون مع مريضه ويكون هادئاً ومتفهماً لكل ما يثير قلق المريض. من الطرق الفعالة في هذا السياق طريق (أخبر، أرى، أفعل) أو ، بالرغم من أنها تستخدم عادة مع الأطفال لكنها قد تكون فعالة جداً مع الكبار (ممن يعانون رهاب طبيب الأسنان)، تقتضي الطريقة أن يقوم الطبيب بالشرح لمريضه ماذا سوف يفعل، ما هي الأدوات التي سيستخدمها قبل أن يباشر بالمعالجة، كل خطوة من الخطوات على حدا، ذلك سوف يكون مفيداً في تعزيز ثقة الشخص بطبيبه ويبدد مخاوفه حول التجربة التي سيخوضها. قد يكون منح المريض القدرة على السيطرة فعالاً: يتم عن طريق الاتفاق بين الطبيب والمريض على حركات يقوم بها المريض بيده بحيث يستطيع الطلب من الطبيب إيقاف العمل مؤقتاً أو إعطائه الفرصة للمضمضة أو البصاق وما إلى ذلك.
الطرق الدوائية لعلاج الخوف من دكتور الأسنان :
يتم في هذه الطريقة استخدام عقاقير مهدئة قبل بدء المعالجة بربع إلى نصف ساعة، وتحديداً عند الأشخاص الذين يعانون من خوف مفرط من المعالجات أو من رهاب حقيقي، وهي طرق فعالة بشكل مثالي قادرة على جعل المريض أكثر استرخاءً وهدوء ويصبح بالضرورة أكثر تعاوناً مع الطبيب. من هذه العقاقير وأشهرها (الديازبام Diazepam)، تريازولام أو هالكيون ، وفي بعض الأحيان يستخدم غاز أوكسيد النتروز (ما يعرف باسم غاز الضحك) عن طريق قناع تنفس، جميع هذه الأدوية فعالة في التهدئة من روع المريض وجعله أقل توتراً.
اختيار طبيب أسنان تشعر بالراحة معه وتستطيع التفاهم معه وتثق به. زيارة طبيب الأسنان بشكل دوري حتى لو كانت الزيارة دون شكوى، من شأن تلك الزيارات المتكررة التخفيف من التوتر الحاصل عند زيارة العيادة بقصد العلاج. التشتيت: استخدم طريقة من طرق التشتيت أثناء قيام الطبيب بعمله، قم بمشاهدة تلفاز العيادة إن أمكن، أو قم بوضع سماعات أذن والاستماع للأغاني حتى لا تسمع أصوات الأدوات التي من شأنها أن تجعلك أكثر توتراً. أخبر طبيبك بمشكلتك: بكل بساطة أخبره أنه لديك خوف من المعالجات السنية بدون أي حرج، غالباً الطبيب تعامل مع أناس آخرين لديهم حالات خوف مشابهة وهو غالباً قادر على التعامل الصحيح معها. استفسر عن كل ما يجول في خاطرك، عن حالتك، العلاج وخطواته، بقاء أي تفصيل مبهم أو غير واضح بالنسبة لك قد يكون سلبياً في تعاطيك مع وجودك ضمن العيادة وتلقيك للعلاج. في حال بدأت تشعر بالتوتر أثناء جلسة العلاج لا تتردد في إخبار الطبيب بذلك، فقد يعطيك وقتاً لتستعيد هدوءك، أو يساعدك في الوصول إلى ذلك بشتى الطرق ومنها كما ذكرنا الدوائية.
الخوف من طبيب الأسنان أو من المعالجة السنية ليس نابعاً من خوف الشخص من الألم الذي قد يحصل أثناء المعالجة أو بعدها، فقد بات استخدام التخدير الموضعي شائعاً جداً نظراً لفعاليته وقلة آثاره الجانبية، كما أصبحت المسكنات أقوى وأقوى مع تقدم العلم، في الحقيقة لا شيء يدعو للقلق، تحلَّ بالشجاعة واسترخِ فيكون كل شيء على ما يرام.
رقم العدد: 3918