العتابا في اللغة العربية من الاستعتاب، وهو الطلب إلى المسيء الرجوع عن إساءته، ومنها التَعتُّب والتعاتب والمعاتبة، وقد يكون لفظ عتابا جاء من عتاب الزمن لِما يُنزِل بالناس من مصائب، والعتابا نوع من غناء الشعر الشعبي التقليدي الذي اختص به الرجال، وقد اشتهرت به أغلب مناطق سورية، كما انتشرت في مناطق بلاد الشام.
ولا تقف العتابا على الشجاعة والنجدة بقدر وقوفها على التدفق العاطفي وصلابة المواقف على اختلاف أشكالها والانفعال النفسي، أو الحنين إلى الأهل والوطن. وتظهر في العتابا النخوة وشكوى الزمان ورثاء الأحباب والفخر والاعتزاز بالنفس والأنساب بالإضافة إلى الروح المتوثبة والفروسية والمجد والاستعلاء وتتكون العتابا من أربع شطرات شعرية، تتماثل فيها الكلمات الأخيرة من كل شطر من الشطرات الثلاثة الأولى، وكل كلمة تعطي معنى مختلفاً، أي كأنها جناس ولكنها تقوم على التورية، ويختم الحرف قبل الأخير في الشطر الرابع بألف وباء ساكنة أو يختم بألف مقصورة أو ممدودة، وهي ذات إيقاع وتوازن موسيقي، يتمثل بوحدة ووزن موسيقي ضمن الشطر الشعري، بحيث تتساوى الأبيات في نصيبها من عدد المتحركات والسواكن، وهذا ما يسمى في الشعر وحدة النغم، وتؤدِّي الشطرات الثلاثة الأولى عادةً دور الشرح والوصف، بينما يؤدِّي الشطر الرابع دور النتيجة أو الحكمة ولا تحتاج العتابا إلى لازمة، ويمكن للمؤدّي أن يجتهد في إعادة المقطع أثناء الغناء حسب متطلبات الموقف وتجاوب المستمعين مع الغناء، ومن الجدير بالذكر أن العتابا لا تحتوي على قفزات نغمية أو لحناً مغايرا للحنها المعروف، وهي تغنى في المقامات التالية: سيكاه، بياتي، حجاز ترافق غناء العتابا أحياناً آلة الربابة الشعبية، وأحياناً أخرى دون مرافقة أيّ آلة، وتُكتب باللهجة العامية، وتتحدث عن مواضيع حياتية لها علاقة بالمجتمعات المحلية التي نشأت بها، وتُغنّى في السهرات ومجالس السَّمَر عند البدو والحَضر على حدٍّ سواء.
وعن سبب تسميتها بالعتابا :
هناك أراء كثيرة في سبب تسميتها بالعتابا منها بأن رجل تزوج من امرأة اسمها عتابا وكان له طفلاً من امرأة أخرى ويحبه كثيرا تحركت الغيرة بصدر امرأته عتابا العاقر وقتلت الطفل وراحت عتابا تبكي وتنوح معهم واتضح للأب بالأخير أن قاتلة ابنه هيَ زوجته (عتابا) لتتقرب بهذه الجريمة من قلب زوجها وتحرق قلب ذرتها التي تشاركها في زوجها وحين قرر الانتقام منها قال :
أَني لَذبحْ عَتـابا بْسيفْ مَسنونْ وقلبي بِيرٍ عَليه الْبدو يِسنونْ
مِحَرَّمْ عَليچ الضحك يا سنونْ مـازال الْشَندِلو حالي غِيابْ.
والرأي الثاني يتحدث بتعلق شابٌ من جبل سنجار بفتاة اسمها عتابا وتزوجها وكانت له عوناً في الحياة وذات يوم خرج سيد القرية يراقب جني المحصول، فرأى عتابا فأعجب بجمالها الفتان فأرسل زوجها في مهمة طويلة وراح يتقرب إلى عتابا يغريها بالمال والثياب ويغدق عليها الهدايا حتى رضيت أن تنتقل إلى قصره، عاد الزوج وطرق باب داره فلم يجبه أحد ثم عرفَ بأنها تعيش في القصر وتأكد بأنه فقدها إلى الأبد فأمسك ربابته وراح يغني:
عتابا بينْ بَرمة وبينْ لَفتي عَتابا لِيشْ لِلغيري وَلَفتي
أَنا ما روحْ لِلقاضي ولا افتي عَتابا بالثلاثة مْطلقا
أما الرأي الثالث: من العتاب واللوم أي يعاتب بكلامه الدهر أو الأحبة أو الأهل ومع الزمن أصبح هذا النوع يسمى عتابا، وآخر يقول: كان النَّور يجلسون على عتبة الدار ويغنون هذا اللون من الغناء وصاروا يسمون قائلها أو منشدها (الْعَتَّابْ)، نسبة لعتبة الدار ومع الزمن تحورت الكلمة وصار هذا اللون الغنائي يسمى بالعتابا،
يذكر أن هناك عدة أشخاص كتبوا وجمعوا العتابا في دير الزور كالباحث صالح السيد الملقب أبو جناة والذي جمعها بكتاب أسماه (ديوان العتابا) وأصدره على نفقته الخاصة، والديوان الآخر للباحث أحمد شوحان ومجلة صوت الفرات للباحث عبد القادر عياش بعنوان غزليات من الفرات والتي خصصهما للحديث عن الغناء الفراتي ومن ضمنها العتابا.
اسماعيل النجم