الموليّا.. الديريون يجمعون الحزن والفرح بلحن واحد

كان وادي الفرات مرتعاً لحضارات متعاقبة نشأت واندثرت على ضفاف نهر الفرات الخالد، التي ماتزال بقايا آثارها شامخة حتى عصرنا الحالي، وقد ساعد على نشوء هذه الحضارات والممالك امتداد هذا النهر وغزارته وضمه للباديه، ثم إن توالي تلك الحضارات وتمازجها أدى إلى صوغ أدب تراثي جميل من نوع خاص، تناقله ابناء الفرات ممن سكنوا هذا الوادي جيلاً بعد جيل ولقرون عديدة، لعبت اللغة فيه دوراً كبيرا التي يتكلمها ابناء هذا الوادي ولهجتهم المميزة وطبيعة أهلها بكل ما حفلت به هذه الطبيعة، وقد تغنى أبناء الفرات بهذا الأدب وصاغوه بكلمات عذبة وألحان بسيطة شجية.

نشأ الغناء الشعبي الفراتي على امتداد نهر الفرات وقد أطلق على بعض تلك الألوان اسم “الغناء الديري”، الذي يعدّ بطبيعة الحال جزء من الغناء الفراتي وتصنف الألوان الغنائية الديرية إلى عدة ألوان علماً بأن كل لون من ألوان الديري يتكون من بنية لغوية خاصة به تميزه عن غيره، سواء من ناحية الوزن العروضي، أو طريقة سرد الأبيات، إضافة إلى أن لكل لون مناسبته الخاصة التي يُغنى بها

المُوليَّه (الموليَّا): الموليَّه هو من أبرز ألوان الغناء الشعبي انتشاراً في ديرالزور، وقد جاءت تسميته من جارية غنت هذا النوع بعد نكبة “الرشيد”. والموليَّا أو المَلاَّيَه أو المَلاَّ في عُرْف أهل الريف والبادية هي المرأة التي تحسن القراءة والكتابة وتقوم بأدوار الأمور، وبما أن هذه المَلاَّيَه على قدر من المعرفة فهي -وكما يتصورها أهل الريف وقياسا على براعتها والموليَّه تُغنى بمرافقة آلتي الدف والشاخولة.

وكانت تُغنى ومازالت في كل المواقف والأحداث، سواء في الأفراح أو الأحزان، وأكثر ما تُغنى في وصف النساء والخيل والحلي وغيرها. وتُغنى الموليه في ثلاث مقامات موسيقية هي (البياتي، الحجاز، والصبا)، ومن أشهر المطربين الذين أدّوا هذا الغناء هم: أبو جناة، إبراهيم الجراد، عبود العرضي، محمد الهزاع، وغيرهم تُنظم مقاطع المول يه في بيتين من الشعر(أربع شطرات) في البحر البسيط، تأتي الثلاث الأولى منها مُتحدة القافية، وتنتهي الشطرة الرابعة بياء مشددة ثم هاء ساكنه (يّه)، أو ياء مشددة ثم ألف (يّا)، والنموذج التالي يوضح ذلك:

قَلبي عَلَى اْبو الزُّلُفْ عيني يَا مُوليَّهَ         يمْ العَبَايِه القَصَبْ حِلوَه يَا دِيريِّه

قَلبي عَلَى اْبو الزُّلُفْ عيني يَا مُوليَّه         يَا اْحْبَابْ لا تِرْحَلوا ضَلُّوا حَوَاليَّا

*

هَالرِّيمَه العِنْدِكُم هَالعِينْهَا خَضْرَه            خَلَّت شَبَاب الوَقِت بِقْلُوبِهَا حَسْرَه

تْمَنِّيتْ عْيُونَهَا إلي واصوغَهَا شَضرَه       والْبِسْهَا خَاتِم ذَهَب بَاصَابِع إيدَيَّا

*

هَالبْنَيَّه الْعِندِكُم نَادَتْنِي بِالحَاجِبْ             واْعْطَتْنِي مِنها وَعِدْ بِالليل وِمْنَاسِبْ

لاَ اْنِي مِفْتِي شَرعْ الله لا ولا اْنِي راهب    آنِي وَلَيِّدْ وْطِشِتْ وْرُوحِي بِايدَيَّا

اسماعيل النجم

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار