كتب على شاهدة قبره الخطاط العراقي هاشم محمد البغدادي “إن بدوي أستاذ كبير سحره في التناسب لا يدانيه خطاط طبع شاميته على خطه وانتقى لنفسه منهجاً تميز به” لتختصر هذه العبارة مسيرة إبداع محمد بدوي الديراني شيخ خطاطي بلاد الشام ومؤسس المدرسة الشامية في خط التعليق الفارسي.
وتميزت مدرسة الديراني في الخط العربي بتجديد الحروف وتشذيبها وتنميق القواعد وإظهار الموازين بدقة عالية والنسب بانسجام فريد.
سيرته المهنية الغنية تستوجب الوقوف عندها فالديراني 1894-1967 ينتمي لأسرة من داريا بريف دمشق سكنت حي الميدان الدمشقي حيث درس علوم القرآن في الكتاب وبدأ يمارس فن الخط وهو في ريعان الشباب وتعلم على يد الخطاط يوسف رسا الذي ساهم في ترميم الجامع الأموي بعد حريق سنة 1894 وظل مواكباً له حتى وفاته عام 1915 وانتقل بعدها إلى كنف الخطاط الدمشقي ممدوح الشريف الذي تتلمذ على يديه في الخط الكوفي والثلث والرقعة وعمل تحت إشرافه طوال سبع عشرة سنة.
نهم الديراني لفنون الخط العربي دفعه للسفر إلى القاهرة للتعرف ودراسة أساليب الخطاطين المصريين منهم نجيب هواويني خطاط الملك فاروق كما درس الخط المرقوم في مساجد الاسكندرية ثم سافر إلى العراق للاستفادة من تجربة الخطاط هاشم محمد البغدادي.
ومن أثار الديراني الباقية كتابته للآيات القرآنية في جوامع دمشق كالروضة والمنصور والدقاق والمرابط واللوحات في بناء مؤسسة عين الفيجة بشارع النصر وهي من نفائس العمارة الدمشقية فوضع على جدرانها الخطوط المحفورة على الرخام والخشب وتجلى إبداعه أيضاً بلوحات خط في مبنى مجلس الشعب بعد ترميمه إثر ما طاله من تدمير جراء العدوان الفرنسي على دمشق سنة 1945.
ومن أثار الديراني الباقية لوحة أسماء المساهمين ببناء مشفى المواساة وآية قرآنية في المسجد النبوي بالمدينة ولوحة رخامية من الخط المرقوم في مبنى غرفة تجارة الكويت.
أعطى الديراني الحروف في فنه طابعاً دمشقياً منطلقاً من البساطة والوضوح مبتعداً عن التنافر والمبالغة ففي لوحات التعليق للديراني يتجلى التناسق والشفافية إذ فصل بين الحروف الصغيرة وجانسها مع الكبيرة فابتعد عن صرامة الخطاطين التقليديين والتزامهم بالقواعد كما ابتدع قواعد جديدة مستحدثة لحروف الخط العربي فهندسها وبسطها ووضحها وبلغ في تطويره قمة الإبداع.
ورحل الديراني عن عالمنا في الـ25 من تموز من عام 1967 وهو في طور العمل على تخطيط مسجد العثمان في حي الميسات حيث أنجز ستة وعشرين متراً نفذت بالفسيفساء فوق المحراب وحاز بعد وفاته وسام الاستحقاق سنة 1968 تاركاً عشرات التلاميذ الذين نهلوا على يديه فكانوا من النوابغ منهم الخطاط محمود الهواري الذي لازمه حتى وفاته إضافة إلى خطاطين آخرين مثل الراحلين الملحن زهير منيني وعبد الرزاق قصيباتي والباحث أحمد المفتي أما تلامذته من المشاهير فكان منهم الشاعر نزار قباني والمحامي نجاة قصاب حسن والمؤرخ شاكر مصطفى والإعلامي ياسر المالح وخطاط المصاحف عثمان كما تأثر بأسلوب البدوي عدد لا يحصى من خطاطي العالم الإسلامي.
رقم العدد:4649