من بين أزقة الرقة القديمة، ولد طه الطه عام 1947م ، ليصبح لاحقاً واحداً من أبرز حُرّاس الذاكرة الثقافية السورية الرقية، منذ طفولته الفقيرة، انجذب إلى الأبنية الطينية والتلال الأثرية، وبدأ بجمع الفخاريات والوثائق القديمة، قبل أن يتحوّل شغفه إلى مشروع حياة امتد لخمسين عاماً.
كرّس الطه جهده لتوثيق التراث الفني والثقافي لمدينة الرقة ومنطقة الفرات، وفي سبعينات القرن الماضي أسس متحفاً خاصاً، سرعان ما صار مركزاً ثقافياً حقيقياً يضم آلاف القطع النادرة من المخطوطات والصحف التاريخية والأزياء والأدوات الفلكلورية، إلى جانب أرشيف ضخم لأكثر من ألف شخصية عربية وعالمية، كما جمع الأغاني الفراتية والأهازيج الشعبية، وسجل العادات والتقاليد، ما جعله مرجعاً مهماً للباحثين والمؤرخين. استضاف متحفه أدباء وفنانين كباراً مثل عبدالرحمن منيف والطيب الصالح، إضافة إلى علماء آثار عالميين، ورغم ما حققه من حضور دولي، بقي بعيداً عن الأضواء في وطنه، ولم يحظَ بالدعم الرسمي، بل رُفضت عضويته في اتحاد الكتاب العرب بحجة أن الأرشفة ليست عملاً إبداعياً. وفي عام 2015 اقتحم تنظـ ـيم داعـ ـش متحفه ونهب محتوياته بالكامل، فيما دُمّر ما تبقى منه خلال القصف الذي طال المدينة بين 2016 و2017، كانت تلك الضربة الأقسى في مسيرته، إذ شاهد بأم عينه ثمرة نصف قرن تُهدم أمامه.
اضطر الطه إلى الهجرة نحو “شانلي أورفا” التركية، حيث حاول أن يبدأ من جديد بجمع الصحف وتوثيق المعالم الأثرية، لكنه عانى من الفقر وتدهور صحته، ليصاب بجلطة دماغية، ما أدى إلى تدهور وضعه ووفاته في عام 2021، بعيداً عن مدينته التي عاش لأجلها. رحل طه الطه وحيداً فقيراً، كما وصفه الروائي أيمن ناصر، لكن إرثه الثقافي بقي شاهداً على رجل حمل ذاكرة الرقة وسوريا، مؤمناً بأن الثقافة هي روح الأمم، وأن حفظها يستحقأن يُضحّى من أجله.
الفرات
